قضية الأسبوع المملكة العربية السعودية
ميغافون ㅤ

السعوديّة وإسرائيل: التطبيع العاري

30 أيلول 2023

التطبيع الآتي

في 26 أيلول، حطّ وزير السياحة الإٍسرائيلي حاييم كاتس في الرياض، في أول زيارة علنية لمسؤول إسرائيلي إلى المملكة. أتى كاتس إلى الرياض للمشاركة في مؤتمر تعقده منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. قبلها بأسبوعين، في 10 أيلول، شارك وفد إسرائيلي في مؤتمر عقدته لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو في الرياض أيضاً. 

بين هذين التاريخَين، أطلّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان على قناة «فوكس نيوز»، مبشّراً بجديّة المفاوضات للوصول إلى اتفاق مع إسرائيل:

كل يوم نقترب أكثر للتوصّل إلى اتفاق، ولأول مرّة ثمة مفاوضات حقيقية… نأمل أن تصل إلى مكان تسهّل فيه حياة الفلسطينيّين وتحوّل إسرائيل إلى لاعب في الشرق الأوسط.

ومن السي.أن.أن، أضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ الاتفاق مع السعودية

سيغيّر الشرق الأوسط إلى الأبد، إذ سيهدم جدران العداء ويخلق ممراً من خطوط أنابيب الطاقة، وخطوط السكك الحديدية، وكابلات الألياف الضوئية، بين آسيا عبر السعودية والأردن وإسرائيل والإمارات.

فبين إعلانَيْ نتنياهو وبن سلمان والزيارتَين الإسرائيليّتَين الأخيرتَين إلى الرياض، بات واضحًا أنّ المشروع الذي يقوده وليّ العهد السعودي، محليًا وإقليميًا ودوليًا، بات يشترط أو يفترض حصول تطبيع أو أقلّه تفاهم مع الاحتلال.  

بموازاة موجة التطبيع السعودية، تُفاقِم الإمارات تطبيعها مع إسرائيل من خلال سلّة من التفاهمات والاتفاقيات، في الشراكة الاقتصادية الكاملة والتجارة الحرّة، وعلى مستويات الطاقة والأمن الذي ما زال مقتصراً على الأمن السيبراني، في حين انطلق النقاش بين الطرفين للتوصّل إلى تعاون أمني مشترك وتبادل للمعلومات، إضافةً إلى صفقات تسليح. وبين إسرائيل والإمارات أيضاً، إعفاء للتأشيرات بين البلدين، في حين تسير دول أخرى بالتدرّج مثل البحرين والمغرب اللذين وقّعا مع إسرائيل على اتفاقية التأشيرة الإلكترونية. وآخر مستجدات المسار التطبيعي الإماراتي، دخولها لاعباً أساسياً في اتفاقية «الرخاء» بين الأردن وإسرائيل، ما يؤمّن تبادلاً للمياه والطاقة بين تل أبيب وعمّان، بتمويل إماراتي. 


تطبيع من دون اعتراض

يسير التطبيع الخليجي مع إسرائيل، خلال السنوات الثلاث الماضية، بشكل تصاعدي ومن دون ردود فعل تُذكر. فلم يلحظ الشارع العربي اعتراضاً على «الاتفاقيات الإبراهيمية» بين إسرائيل والبحرين والإمارات، كما لم تُثِر موجات التطبيع غير الرسمية أي اعتراض أو حتى نقاش. فإن كان متوقّعاً ألا يكون هناك أي موقف رسمي معترض على سياسات الدول التطبيعية، فإنّ الملاحَظ هو الهدوء الإعلامي والشعبي، في عالم عربي شكّل العداء لإسرائيل أحد مكوّنات أيديولوجياته المختلفة، وكأنّ التطبيع بات طبيعيًا. 

قد يعود غياب أي اعتراض فعلي إلى البنية القمعية في دول الخليج، والتي لن تتساهل مع أي نقد لسياسات حكامها، لا سيّما المتعلقة بمسألة التطبيع. وتمتّد هذه البنية إلى خارج حدود الدول المطبّعة، جراء نفوذ الخليج السياسي والاقتصادي والمالي. وهو نفوذٌ يمتدّ إلى داخل منظومة الممانعة نفسها التي غالباً ما رفعت الصوت ضدّ التطبيع، سواء عن قناعة أو للمتاجرة بـ«القضية». لكنّ أولويّاتها اليوم تقتضي الصمت لدفع قطار تطبيع آخر، هو التطبيع بينها وبين دول الخليج.

لكنّ غياب الاعتراض الفعليّ يعود أيضًا لسقوط «العروبة» ومن بعدها «القضية الفلسطينية» (كما عرفناها)، ومعها ترسانة الأنظمة والتنظيمات والأدبيّات التي ترجمتها سياسيًا وشعبيًا. ولم يتبع سقوط هذه الأيديولوجيات بروز للأطر التي تسمح بتكتّل دول المنطقة وتكاملها وفق معايير المصلحة المشتركة، ولا أي خطاب سياسي عربي، خارج أنقاض بقايا «القومية العربية». 

في ظلّ هذا الوضع، كانت النتيجة الطبيعيّة أن تسير الدول العربيّة إلى قطاع التطبيع فرادى، ووفق مصالحها الاقتصاديّة التي حرصت على إنضاجها الولايات المتحدة مؤخراً. وهذا تحديداً ما يفسّر فشل أي من محادثات التطبيع في فرض حلول، ولو مرحليّة، للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، أو في فرض تنازلات من الجانب الإسرائيلي في ما يخص هذا النزاع. بل حتّى الوعود التي نالتها بعض الدول العربيّة، مقابل التطبيع، والتي تتعلّق بمصالح هذه الدول بالذات، ظلّت في كثير من الأحيان حبراً على ورق، كما حدث مع المغرب مثلاً. 


تطبيع بعد تطبيع

ما يحصل اليوم مع الجانب السعودي له دلالة فائقة الأهمية، نظراً لما تجسّده المملكة عربياً وخليجياً ودينياً واقتصادياً. فالسعودية آخر الدول العربية قوّة وحضوراً، في السياسة والنفط والاقتصاد وصناعة القرار، وتكاد تكون الوحيدة القادرة على الفكّ والربط في الملفات أو المواقف العربية. كما تعبّر عن شارع إسلامي ضخم، وضع خلال العقود السبعة الماضية العداء لإسرائيل في صلب أولوياته. 

لكنّ أهمية هذا الحدث ليست نابعة من دور السعودية ورمزيتها، بل من طبيعة مسار التطبيع المعروض اليوم. فعكس اتفاقيات السلام التي سادت في القرن الفائت، والتي كانت نتيجة لسياق الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تأتي موجة التطبيع الحالي، وكأنّها تطبيع تقني، خال من أي معنى سياسي. فما من أدبيّات عن السلام حول هذه المرحلة من التطبيع، أو عن علاقة الديمقراطية والسلام أو الرخاء والسلام. إنّه تطبيع لمسار يبدو وكأنّه «طبيعيًا»، لا يحتاج لأي تفسير أو تبرير أو لبوس أيديولوجي. إنّه أول سلام ما بعد أيديولوجي. 

نجح تطبيع التطبيع لكون وليّ العهد السعودي نجح في تطبيع آخر، وهو تطبيع التحوّل وصعود دور السعودية. فبعد بضع سنوات من الإصلاحات والتحوّلات وسياسة ضخمة من تبييض صفحة السعودية، «نجح» بن سلمان في تثبيت دور جديد للسعودية، إقليميًا وعالميًا، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو حتى ثقافيا. فالتطبيع الحالي هو نتيجة لهذا الدور وطبيعة السياسة التي تفرضها، أكثر مما هو مرتبط بأي من مواضيع الماضي، كالقضية الفلسطينية أو السلام العادل. التطبيع بات جزءا من شرق أوسط مختلف، بدأ يظهر مع مشروع وليّ العهد. شرق أوسط تلعب فيه دول الخليج إسرائيل دور المركز ودور صلة الوصل بين الغرب ومصادر الطاقة في الشرق. 


ما بعد التطبيع 

من المبكر توقّع تداعيات هذا الحدث، خاصّةً على بلد كلبنان. 
لكن ثمّة ما يؤكّد اليوم أنّ لبنان يتّجه نحو انقسام جديد، على خلفية كل هذا المشهد. من الناحية البراغماتيّة البحتة، تتبنّى الغالبيّة الساحقة من القوى السياسيّة المحليّة خطاباً مهادناً تجاه المملكة، حرصاً على مصالح ماليّة واقتصاديّة ليس أقلّها فرص العمل التي تفتحها للّبنانيين، والفرص الاستثماريّة التي يستفيد منها جزء كبير من النخبة الماليّة في البلاد. لكن على المقلب الآخر، ثمّة دورٌ مُرتقَب لمحور الممانعة، وتحديداً حزب الله، الذي تتغذّى مشروعيّته على أدبيّات وخطابات الصراع مع إسرائيل. ومن هذه الزاوية، من الطبيعي أن يجد الحزب في مسار تطبيعي طعنةً لمشروعيّة وجوده وسلاحه، طالما أن هذه المشروعيّة تنتفي بانتفاء الصراع المفتوح واللامتناهي مع العدو. بيد أنّ النظام اللبناني نجح في الماضي في تخطي عقباتٍ كهذه من خلال سياسة الانفصام الرسمي، التي تتراوح بين تخوين خطابيّ لفكرة التطبيع وتعاون سياسي مع التطبيعيين. 

لكنّ التحدّي ليس في وجه الأنظمة وحسب، لكنّه يطال سائر القوى السياسية التي تواجه تحدّي إعادة ابتكار خطاب سياسي جديد، عابر للحدود، يمكن أن يشكّل منطلقاً للتعاضد بين شعوب المنطقة في وجه أنظمة تشتّد قمعًا وتطبيعًا، مع إسرائيل من جهة ومع بعضها بعضاً من جهة أخرى. 


 

آخر الأخبار

مليار يورو من أوروبا للبنان: اضبطوا حدودكم معنا
كولومبيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل
مجلس النواب الأميركي يوسّع تعريف «معاداة السامية» بشكلٍ يحمي إسرائيل
في عيد العمّال
01-05-2024
تقرير
في عيد العمّال
8 شهادات عن معاناة عاملات أجنبيّات في لبنان
عيد العمّال 2024
حدث اليوم - فلسطين الثلاثاء 30 نيسان 2024