قضية الأسبوع السعودية
ميغافون ㅤ

«موسم الرياض» والتطبيع والإبادة

15 تشرين الأول 2024

«موسم الرياض» والجسر الجويّ والدور السياسي الضائع

انطلق، قبل أيّام، «موسم الرياض 2024»، وهو أحد أبرز المهرجانات الترفيهية في ترسانة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لتحويل المملكة و«تبييض صفحتها». وخلافًا لموسم 2023 الذي شهد بعض الدعوات للمقاطعة جرّاء الصمت الهائل بشأن الإبادة بغزّة، تأتي النسخة الجديدة في ظلّ صمت مريب، وكأنّ الإبادة باتت وراءنا. وقد تزامنت التحضيرات لهذا الموسم مع قرار السعودية تقديم بعض المساعدات إلى لبنان، من خلال تسيير جسر جويّ لنقل المساعدات الغذائية والطبية. 

قد يبدو تزامن هذين الحدثين وكأنّهما يحدّدان سياسة المملكة في المرحلة المقبلة، وهي التقوقع على ذاتها وتوزيع بعض الفتات من المساعدات على مناطق باتت أقرب إلى مصدر إزعاج، خاصةً في لحظة تحضير موسم الرياض الجديد. فلم يعد هناك من دور سياسي تلعبه المملكة في سياق الحرب مع إسرائيل، كما بات واضحًا من غياب أي مقترح عربي لوقف إطلاق النار أو لحل الأزمة. المملكة السعودية «ضحّت» كثيرًا من أجل أشقّاء عرب، لم يبادلوها الشكر. حان وقت «السعودية أولًا».

لو كانت الأمور كذلك، لكان موقف السعودية مفهومًا، وربّما مبرّرًا بعض الشيء. لكن رغم الصمت السعودي وطائرات المساعدات، ليست المملكة بعيدةً عن أحداث غزّة ولبنان، وهي التي كانت على وشك التطبيع مع إسرائيل، هذا التطبيع الذي يشكّل أحد الأبعاد السياسية الأساسية للعدوان الإسرائيلي. فربّما حان الوقت لطرح السؤال عمّا إذا كان هذا العدوان وهذه الإبادة ليحصلا لولا مسار التطبيع الخليجي والسعودي.


«طوفان الأقصى» ومسار التطبيع

بالعودة إلى «طوفان الأقصى»، ما زال مجهولاً لماذا أقدم يحيى السنوار في ذاك التوقيت على تلك الخطوة، مفاجئاً إسرائيل و«محور المقاومة»، على حدّ سواء. فبالعودة إلى تصريحات قادة في حماس قبل السابع من أكتوبر، نجد تلميحات إلى «الطوفان»، لكنّها مرتبطة دائماً بعمل مشترك بين أركان المحور. لعلّ إحدى الإجابات الأكثر رواجاً حول هذا التساؤل، تربط بين «الطوفان» وتسارع الخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ما دفع السنوار إلى استعجال مهاجمة إسرائيل، وإن منفرداً. وقد تبنّى الرئيس الأميركي نفسه، جو بايدن، هذه النظريّة، حين خمّن أنّ الاتفاق السعودي-الإسرائيلي قد يكون عاملاً أساسياً في دفع حماس لمحاولة قلب الطاولة على الجميع.

لا يرتبط التطبيع السعودي- الإسرائيلي بطموحات وليّ العهد محمد بن سلمان وحسب، ومحاولته الحصول على تأييد أميركيّ لتولّيه العرش رغم ثبات تورّطه بالقتل الشنيع للصحافي جمال خاشقجي، ولا بحصوله على ضمانات أمنيّة أميركيّة تجاه إيران وسواها. لقد أصبح هذا التطبيع جزءاً من الرؤية الأميركيّة للمنطقة، ومصالحها الاقتصاديّة في مواجهة الصين وروسيا. وهذا ما بات واضحاً منذ اجتماع مجموعة العشرين في نيودلهي قبل أكثر من عام، والإعلان عن مشروع يربط بين الهند وأوروبا، مروراً بالسعوديّة والإمارات، ثمّ إسرائيل، وذلك من خلال سكك الحديد والموانئ البحرية. هذه الرؤية الأميركية هي بالضبط ما عرضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، حين حمل ما أسماه «خريطة النعمة» التي تُظهر هذا الطريق الجديد في مواجهة «خريطة اللعنة» التي تُظهر النفوذ الإيرانيّ في الشرق الأوسط. 


الثمن الفلسطيني الرخيص… كما اللبناني

في الواقع، حتّى المتحمّسين للخريطة الأولى والمسلّمين للتطبيع مع إسرائيل، لا يسعهم إلا أن يلاحظوا الصلافة السعوديّة في الحديث عن الفلسطينيّين والثمن البخس الذي طلبه بن سلمان لفلسطين مقابل التطبيع. ففي مقابلته الأخيرة قبل «طوفان الأقصى»، كشف بن سلمان عن التطوّر الإيجابي في مسار التطبيع، مطالباً في المقابل بـ«تسهيل حياة الفلسطينيّين» ليس إلا، من دون الحديث حتّى عن دولةٍ فلسطينيّة. وفي لقاء مع وزير الخارجية الأميركي، ما بعد «الطوفان» بنحو ثلاثة أشهر، صارح بن سلمان أنتوني بلينكن بأنّ القضيّة الفلسطينيّة لا تعنيه أصلاً، لكنّه مضطرّ للمطالبة بـ«الهدوء» في غزّة لأنّ كثيراً من الشباب السعوديّ يهمّهم الأمر. لكنّ بن سلمان كان متسامحاً بما فيه الكفاية ليُخبر بلينكن إنّ بإمكان القوّات الإسرائيلية أن تعود إلى غزّة إن شاءت، لكن ليس قبل مرور عدّة أشهر على توقيع الاتفاق السعودي- الإسرائيلي. بين تلك المقابلة وهذا اللقاء، صدرت خلال حرب الإبادة مواقف سعودية قليلة طالبت أخيراً بحلّ الدولتين. لكنّ جميع المعنيّين بالأمر باتوا يعرفون أنّ هذه المطالبات غير جدّية. 


إلّا التطبيع

كان يمكن أن يجد المرء أعذاراً للسعودية، لولا هذا الوضوح التامّ في الموقف الأميركي الذي لا يبالي بما يحدث بغزّة، ولا بما يحدث بلبنان، من قتل وخراب، إلا بمقدار ما يؤثّر على التطبيع السعودي-الاسرائيلي. هكذا تكاثرت الزيارات الرسمية الأميركية إلى الرياض في عزّ حرب الإبادة في غزّة، من مسؤول الأمن القومي جاك سوليفان إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيرهما، وكانت كلّها تدور حول نقطة واحدة، هي التأكّد أنّ ما يحدث في غزّة لن يؤثّر على القرار السعودي بوقف وعود التطبيع مع إسرائيل. حتى أنّ السيناتور الأميركي الأكثر تطرّفاً، ليندسي غراهام، حين انتقد بشدّة القرار الأميركي بحجب بعض القنابل الثقيلة عن إسرائيل، حذّر من أنّ خطوةً كهذه قد تبعث برسالةٍ سلبيّة إلى السعوديّة الطامحة لتوقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة. غراهام الذي قام بأكثر من جولة إلى الرياض لدفع الاتفاق السعودي- الإسرائيلي قُدُماً، خاطب بايدن محذِّراً: «السعوديّة تراقب». وهو بذلك يحثّ الإدارة الأميركية على منح إسرائيل كلّ الأسلحة التي تطلبها لإنجاز المهمّة.


شرق أوسط جديد بلا فلسطينيّين ولبنانيّين

كان يمكن للسعوديّة أن تطلب ثمناً فلسطينياً للتطبيع، بدلاً من أن تحذو حذو الإمارات التي طبّعت مجاناً وانتقلت لتمويل خراب دول عربية أخرى، كما كان يمكن للسعوديّة أن تلعب دورًا سياسيًا مهمًا في سياق تطبيعها المنتظر. غير أنّ محمد بن سلمان فضّل أن يقف على حافة النهر، يراقب جثث الفلسطينيّين واللبنانيّين وهي تعبر، حتّى إذا ما استحالت المياه دماءً، ذهب للشراكة مع إسرائيل «على نظافة». كأنّ بن سلمان لم يمتنع عن فرض شروط بشأن الفلسطينيّين ودولتهم، لا بل اقتنع بمشروع نتنياهو المجنون، وهو القضاء على إيران النووية ومحورها، والذي بات يضمّ أيضًا أيّ طموح حيال «الدولة الفلسطينية». لن تكفي بعض المساعدات لمحو هذا الرهان، رهان شرق أوسط جديد على جثث الفلسطينيّين واللبنانيّين.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة
تخطيط قيمة حياة فتاة عشرينيّة مقيمة في بدارو
وزير الدفاع الإسرائيلي يزور جنود الاحتلال في جنوب لبنان
وليد جنبلاط في سوريا
جيش الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان ويهدّد بإخلائه
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة