قضية الأسبوع مخيّمات
ميغافون ㅤ

«المخيّم» بوصفه إشكاليّة لبنانيّة 

16 أيلول 2023

غالباً ما تُصوَّر أحداث مخيّم عين الحلوة وكأنّها إشكاليّة فلسطينيّة خالصة، لا دور للجانب اللبناني فيها إلا تلقّي النتائج السلبيّة للأحداث. 

  • على مستوى الحدث المباشر، 

ابتعدت التحليلات عن تناول الخلفيّة السياسيّة والإقليميّة لما يجري في المخيّم، ما وضع الاشتباك في سياق الصراع الداخلي بين الفلسطينيين على مساحات النفوذ. وهذه النظرة السطحيّة، والمُضلّلة إلى حدّ بعيد، تتجاهل الأدوار الواضحة لأطراف لبنانيّة، تمتلك حسابات ومصالح في كل ما يجري. 

  • على المستوى الاستراتيجي، 

أي في توصيف أصل المشكلة، عاد الحديث ليتركّز على «السلاح الفلسطيني المتفلّت»، بوصفه الإشكاليّة الأساس التي ينبغي معالجتها على المدى البعيد. وبذلك، باتت إشكاليّة «المخيّم» كحالة ومفهوم محصورةً بالجانب الأمني، المرتبط بدور الفصائل الفلسطينيّة وسيطرتها هناك. يتجاهل هذا النقاش مجدّدًا الجانب اللبناني من الإشكاليّة، المرتبط بعلاقة السياسات الرسميّة اللبنانيّة في إنتاج حالة «المخيّم»، كمساحة معزولة اجتماعيّاً وسياسيًا واقتصاديًا.


قضم نفوذ «فتح» بواسطة الجماعات الإسلاميّة

ليس سرّاً القول إنّ توسيع رقعة سيطرة الجماعات الإسلاميّة في مختلف المخيّمات في لبنان، مع ما يلزم من مدّ هذه الجماعات بالموارد الماليّة وطرق إمداد السلاح اللوجستيّة، كان وسيلة للقضم التدريجي من نفوذ حركة فتح على الساحة اللبنانيّة. في الغالبيّة الساحقة من المخيّمات، تمّ ذلك بسلاسة ومن دون ضجيج لمصلحة القوى الحليفة لمحور الممانعة، مثل حماس والجهاد الإسلامي. وحيث استلزم الأمر، كما جرى تدريجيًا في مخيّم عين الحلوة على مرّ السنوات الماضية، جرى ذلك عبر باقة من التنظيمات الإسلاميّة الصغيرة التي وسّعت نفوذها بالاغتيالات أحيانًا، وبالمعارك المتقطعة أحيانًا أخرى. 
بالتأكيد، تغذّى هذا المسار من الوهن الذي أصاب حركة فتح خلال العقود الماضية، ومن تراجع مشروعيّتها وشعبيّتها بالتوازي مع سقوط مسار اتفاق أوسلو، وعدم ضلوع «فتح» بدور عسكري وازن في مواجهة الاحتلال. إلا أنّ لدى محور الممانعة مصالحه لمحاصرة نفوذ «فتح» على الساحة اللبنانيّة التي تمثّل آخر الساحات التي يلعب فيها الشتات الفلسطيني دورًا في التعبير عن نفسه سياسيًا وتنظيميًا. وفي بعض الأحيان، انتهت المغامرات الهادفة إلى تطويق حركة فتح بأحداث مأسويّة وصاخبة، كما حدث في مخيّم نهر البارد عام 2007.


معركة عين الحلوة وبصمات محور الممانعة

لا يمكن قراءة ما يجري في مخيّم عين الحلوة بعيدًا عن هذا المسار. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم الوجهة التي ذهب إليها إعلام الممانعة مؤخرًا، في التصويب على حركة فتح وتحميلها- حصرًا- مسؤوليّة الاشتباكات الأخيرة. فهل يمكن السؤال هنا مثلًا عن سبب عدم حذر محور الممانعة من توسّع رقعة التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة، على أهمّ المخيّمات الواقعة على طريق الجنوب؟ هل كان «المحور» ليتبنّى هذه المقاربة في وجه «فتح»، لو لم يملك بالفعل أدوات التأثير على عمل ووجهة هذه التنظيمات الإسلاميّة الغامضة؟ 
تجدر الإشارة إلى أنّ الثنائي الشيعي بالتحديد يملك تجربة حرب المخيّمات التي علّمته جيّدًا معنى أن يقف مخيّم عين الحلوة، بكتلته الديموغرافيّة الصلبة، في مواجهته أمنيًا وعسكريًا. مَن عايش تلك الحقبة، يذكر أنّ محيط عين الحلوة كان الساحة الوحيدة التي انضمّ فيها حزب الله إلى جانب أمل، ضد الفصائل الفلسطينيّة، خشية انقطاع طريق الجنوب على المدى الطويل. فكيف يمكن تفسير تهاون المحور الإعلامي والسياسي إزاء تمدّد التنظيمات الإسلاميّة حاليًا داخل المخيّم، ما لم يكن هناك قناعة بقدرته على ضبط الأمور حين يتطلّب الأمر ذلك؟
وإذا كانت «فتح» تملك قواعدها العسكريّة واللوجستيّة في المخيّمات الفلسطينيّة، مع ما يشمله ذلك من سلاح متوسّط وخفيف، فكيف يمكن تفسير استمرار حصول تنظيمات إسلاميّة ناشئة على هذا النوع من الأسلحة، بعد أسابيع من القتال الضاري والعنيف؟ وكيف يمكن تفسير استمرار تدفّق هذه الأسلحة إلى المخيّم، لوجستيًا، بالرغم من تطويقه ميدانيًا من قبل الجيش ومناطق نفوذ الثنائي الشيعي نفسه؟ 


مخيّم عين الحلوة في ميزان الصفقات الإقليميّة

يطرح البحث عن أسباب التصعيد في هذه المرحلة فرضيّات عديدة، من بينها على سبيل المثال المشاريع الاقتصاديّة التي توحي باقتراب موعد التطبيع السعودي- الإسرائيلي. هنا، يعود إعلام الممانعة إلى الريبة من الدور الذي ستلعبه سلطة محمود عباس في رام الله، على مستوى إعطاء غطاء فلسطيني لهذه المشاريع، ما دامت السعوديّة تعلن أن التطبيع مع إسرائيل سيقترن حتمًا بتسوية ما- ولو مرحليّة- للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. 
بهذا المعنى، يصبح تطويق فتح في مخيّمات لبنان، آخر المساحات التي تعبّر سياسيًا عن الشتات الفلسطيني، جزءًا من السعي لنزع مشروعيّة تمثيلها للشتات الفلسطيني، استباقًا لمحاولة السلطة الفلسطينيّة لعب أي دور في مسار التطبيع مع إسرائيل.


المخيّم كحالة اجتماعيّة واقتصاديّة

عاد النقاش الدائر حول الاشتباكات ليصوّب على خروج المخيّمات الفلسطينيّة عن سيطرة الدولة اللبنانيّة، وكأن حالة المخيّم هي نتاج قرار أمني أو عسكري، فقط لا غير، أو كأن المخيّم هو بيئة سكنيّة طبيعيّة تقتصر مشكلتها على إقامة «مربّعات أمنيّة» كتلك الموجودة في الضاحية مثلًا. 
المخيّم كحزام بؤس، قبل كل شيء، هو بيئة فُرضت عليها العزلة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، عن سائر المناطق اللبنانيّة. وهذا الواقع يرتبط أولًا بالسياسات اللبنانيّة التي حرمت اللاجئ الفلسطيني من مجموعة كبيرة من الحقوق المدنيّة البديهيّة، وفي طليعتها الحق بالاندماج الاقتصادي والاجتماعي في محيطه، كمقيم في هذه البلاد. بل ويدرك الجميع أنّ اللاجئ الفلسطيني محروم حتّى من حق التملّك في المناطق اللبنانيّة، خارج إطار المخيّمات الفلسطينيّة. الحجّة الحاضرة لتبرير هذا الواقع، هي رفض التوطين، وكأنّ التمسّك بحق العودة لا يمكن أن يستمر دون أن يقترن بتهميش اللاجئ الفلسطيني وحرمانه من أبسط شروط العيش بكرامة.
هكذا، يصبح المخيّم تعبيرًا عن حالة مجتمعيّة، تُفرز تداعيات أمنيّة وعسكريّة، تمامًا كحال أحزمة البؤس اللبنانيّة الأخرى، التي تم استثمارها سياسيًا في العديد من المحطات بأحداث أمنيّة مشابهة. كما يصبح التحدّي الأمني، المرتبط بالسيطرة على المخيّم، شبيهًا بالتحدّي الأمني المقترن بنشوء أي حزام بؤس معزول بهذا الشكل، بمعزل عن جنسيّة قاطنيه. وبهذا الشكل، يصبح المخيّم- وما يترتّب على وجوده من تداعيات- إشكاليّة لبنانيّة بقدر ما هو إشكاليّة فلسطينيّة.


يذكّر تجاهل الدور اللبناني في كل ما يجري في عين الحلوة، بالنقاش الدائر حول ملف اللاجئين السوريين. فتذهب السجالات اللبنانيّة حول هذا الملف للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريّين بوصفها مشكلة سوريّة تمّ تصديرها إلى لبنان، متجاهلةً دور القوى اللبنانيّة- وعلى رأسها حزب الله- في تهجير جزء كبير من اللاجئين السوريين، بل وفي منع عودتهم حتّى اللحظة.


 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت