قضية الأسبوع إسرائيل
ميغافون ㅤ

بعد الممانعة القاتلة وسذاجة السلم

الانتقال إلى سيادة عقلانية

1 آذار 2025

إسرائيل العائدة إلى الداخل اللبناني

إسرائيل باقية جنوبًا، في نقاط خمسة أو أكثر. كما أنّها لا تزال في الأجواء وعلى الحدود. وبين الحين والآخر، تقتل غاراتها من تراه تهديدًا لها. هي انتصرت في حربها، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا سياسيًا، بقدرتها على «تطبيع» حالة حرب دائمة، أي تحويل لبنان إلى «مسرح لحرب دائمة»، يتعايش فيها العنف مع حالات سلم مؤقتة. البلاد مقسومة بين من يستباح ويُقتَل، ومن يشاهد الآخر يستباح ويقتل، وهذا بات «طبيعيًا». 

عادت إسرائيل إلى الداخل اللبناني، بعد أكثر من عقدين كانت خلاله «خطراً على الحدود». وما سهّل عودتها، بالإضافة لانهيار الطرف المقاوم، هو فقدان أي حساسية سياسية جامعة للخطر الذي تشكّله على الداخل. تطوير حساسية كهذه بات ضرورة لمواجهة المرحلة القادمة.


الموقف الضمني المهادن

منذ انتهاء الحرب الأهلية، و«خصخصة» مقاومة إسرائيل لمصلحة حزب الله، كانت إسرائيل خارج الاهتمام المباشر للحقل السياسي اللبناني ولمَن كان مهتمّاً بأمور «داخلية» كالإعمار والانتخابات والفساد والوصاية السورية وغيرهما من الأمور. إسرائيل عدو، لكنّه بعيد، هناك في الجنوب المسيّج من قبل حزب الله، وراء الحدود. كان هناك خطاب ممانع، يعيد تكرار حصرية مقاومة إسرائيل كأفق للسياسة، وهو ما انهار في الآونة الأخيرة. ومقابله، لم يكنْ هناك خونة أو عملاء كما يحلو للممانعين تصوير الأمر، بل موقف جامع مهادن، اعتبر أنّ إسرائيل، خاصة بعد التحرير، خارج دائرة السياسة اللبنانية. 

لم يكن هذا الموقف نابعاً من دعم لإسرائيل، كما لم يكن ضرباً من السذاجة. كان نتيجة سياق سياسي، وصل إلى حدوده مع حرب غزة، قبل أن ينهار مع الحرب على لبنان. فتكوّن هذا السياق من عدد من التطورات، تقاطعت على «إخراج» إسرائيل من دائرة الاهتمام السياسي اللبناني. من بين هذه التطورات، رواسب أوسلو وعملية السلام التي وعدت بإنهاء هذه الحرب، أو تجميد حدودها، كما حصل بأشكال مختلفة مع عدد من الدول المجاورة. كما لعب حزب الله في احتكاره للمقاومة وتجنيدها لمشروع اقليمي دورًا في إخراج هذا الموضوع من الحيز العام، ليصبح موضوع اختصاص لطائفة.  

لم يكن إخراج إسرائيل من حيّز النقاش الداخلي ضربًا من السذاجة. فقد كان هناك حقل سياسي يواجه أزمات داخلية، أكثر وطأة، واستحوذت على اهتمام أكثرية القوى السياسية. فمن الإعمار وفساده إلى معركة الحريات والوصاية السورية، وصولًا للانهيار المالي وانحلال النظام السياسي، كان «الداخل» يفرض إيقاع السياسة ويشكّل حدود اهتمامها. وما دعّم هذه النظرة الداخلية، الإحساس العام بأنّ ما من كثير للداخل كي يفعله في ما يتعلّق بإسرائيل، باستثناء اعتبارها عدواً. فالأمور المرتبطة بالصراع مع إسرائيل، من شكل المقاومة إلى ترسيم الحدود مرورًا بالبعد الإقليمي للمقاومة، كانت ممنوعة على معظم اللبنانيين، ومحصورة بيد فصيل سياسي وعسكري خارج المحاسبة السياسية. 


إسرائيل التوسّعيّة

ربّما كان هذا الموقف السياسي يصلح في المرحلة السابقة. لكنّ إسرائيل لم تعد على الحدود، باتت في الداخل. عادت، بعد هزيمة حزب الله، إلى احتلال عددًا من النقاط على الحدود، كما شرّعت خرقها الدائم للأجواء مع اتفاقية وقف إطلاق النار، لتتحوّل الغارات إلى واقع يوميّ، لم تعد ترقى لتكون خبرًا إعلاميًا. ليس سرًا أيضًا أنها بنتْ ماكينة لمراقبة الداخل والمعابر، إمّا مباشرة أو من خلال الضغط على أجهزة لبنانية. وليس مستغربًا أن تستعمل إسرائيل هذا التفوّق المستجدّ لإعادة التفاوض على ترسيم الحدود، أو لفرض تنازلات سياسية أخرى، من خلال الإدارة الأميركية الجديدة، وصولًا إلى التطبيع. 

وهذا التوسّع ليس لبنانيًا فقط، بل يطال سوريا ما بعد الأسد، والتي وسّعت إسرائيل احتلالها لبعض مناطقها الحدودية، كما واصلت قصفها لما تبقى من جيش. هذا بالإضافة إلى التهديدات والشروط الإسرائيلية على الداخل السوري.

في وجه هذا التوسّع الجديد، يبدو الموقف اللبناني العام مائعًا، ينطلق من هذا الموقف الضمني المهادن، والمدعّم اليوم بهزيمة المقاومة، ليخلص بأنّ لا شيء يمكن فعله خارج التمنّيات عند السفارات الأجنبية، ريثما يفرضون بعضًا من التروي على الحكومة الإسرائيلية. ربّما ليس هناك الكثير ممّا يمكن فعله في وجه التفوق الإسرائيلي حاليًا، لكنّ تجاهل هذا الخطر، وكأنّه سيزول لوحده بعد فترة، بات اليوم ضربًا من السذاجة. فالموضوع الإسرائيلي سيفرض ذاته على الداخل اللبناني، أكان من باب الاحتلال أو من باب التطبيع، ما يتطلب موقفًا آخر، أكثر تركيبًا من التجاهل العام أو الممانعة القاتلة، يستطيع أن يشكّل منطلقاً وطنيًا، يحمي السلم الأهلي ويحدّد معالم الموقف السيادي الجديد. 


ترامب والعالم العربي

يأتي التوسّع الإسرائيلي في لحظة تدخّل أميركي في المنطقة، يتّسم بالعنف والبلطجة، ليفرض مساراً «تطبيعياً»، يستكمل اتفاقيات أبراهام، ويقضي نهائيا على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية. فبات موقف ترامب واضحًا من المسألة الفلسطينية، فارضًا التطبيع والتهجير بعد الإبادة. كما بات واضحًا ضغطه على النظام اللبناني من أجل فرض تنازلات إضافية، وصولًا بالتلميح بفرض مسار التطبيع. 

ورغم أنّ عددًا من الدول العربية قد انخرطت بالمسار التطبيعي، والبعض منها، كالإمارات، بحماسة، بات التوسّع الإسرائيلي والسياسة العنهجية الأميركية يشكلان مصدر خطر على تلك الدول. فالدول المجاورة تواجه خطر التهجير. أمّا الدول المطالبة بالتطبيع، فتواجه ضغطًا للتخلي حتى عن دعمها الشكلي لأبسط الحقوق الفلسطينية. ومحاولات بعض الدول لمواجهة مخطط ترامب لغزة لا تشير إلّا لتخبّط بالموقف العربي أمام جنون الإدارة الجديدة.

في ظل هذا الهجوم الأميركي والتوسّع الإسرائيلي، ومع تخبّط الموقف العربي، إن لم يكن تنازلاً ببعض الأحوال، يجد النظام السياسي اللبناني نفسه وحيدًا في وجه تقلبّات المرحلة القادمة. من هنا، فإنّ سياسة المهادنة السابقة لم تعد تنفع، كما سياسة الممانعة القاتلة، ما يتطلب بلورة موقفًا سياديًا جديدًا، يحدّد ثوابت سياسية، تنطلق من مصلحة البلاد وضرورة الحفاظ على سلمه الداخلي الهش، كما تسعى إلى تأمين الحد الأدنى من حقوق لبنان، وإن كانت موازين القوى ليست لصالحه. خارج بلورة موقف كهذا، نكون قد نقلنا سياستنا الخارجية من مرحلة جنون العظمة إلى مرحلة السذاجة المطلقة، من دون المرور بمرحلة سيادة عقلانية، تشكّل أحد أسس بناء الدولة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
بعد صراعٍ مسلّح دام 40 عاماً
غزّة تستقبل رمضان بما توفّر
قضية الأسبوع

بعد الممانعة القاتلة وسذاجة السلم

ميغافون ㅤ
أجواء عاصفة بين ترامب وزيلينسكي 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/02/2025
حدث اليوم - الجمعة 28 شباط 2025
28-02-2025
أخبار
حدث اليوم - الجمعة 28 شباط 2025