يفوق عدد المشاركين في الوفد اللبناني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك السبعين بني آدم.
الأردن ممثلة بعشرين بني آدم تقريباً. النروج أوفدت ثلاثين شخصاً. كندا، بأمها وأبيها، لم تحتج لأكثر من حوالي ثلاثين بني آدم.
أكثر من سبعين بني آدم في أفخم فنادق نيويورك، بينما الأخبار العاجلة على الهواتف هنا صارت تجاور مصائب التلوث والفساد بموضوع الساعة:
- عدم توفّر الدولار في ماكينات الـatm
- امتناع المصارف عن صرف الدولار أو تحويل الأرصدة من العملة اللبنانية إلى الدولار
- المصيبة التي تلوح في أفق أصحاب الرواتب المصروفة بالليرة اللبنانية والتي لم تثبّت قيمتها بالدولار
- إضراب/ تأجيل إضراب موزعي المحروقات بسبب الفارق في القيمة بين الدولار الذي يدفعونه للمورّدين في الخارج ثمناً للمحروقات وسعر الصرف في السوق اللبنانية ولدى الصرّافين
- نسحب إيداعاتنا في المصارف أو لا نسحبها؟ وهل سنتمكن من سحبها أساساً؟
- تفاقم أسئلة في الحيز العام- أي ما تبقّى من الجرائد وسواها من وسائل الإعلام والصحافة- من نوع: هل خسر لبنان مشاريع «سيدر»؟ خسرناها كلها يا ترى، أم أن سرعة الحركة قد تحتفظ لنا ببعض مشاريعه؟
في هذه الأثناء، لا مجلس الوزراء ولا مجلس النواب يمارسان الحركة السريعة. لا يتقدّمان في معالجة أيّ ملف.
كأننا في ثلاجة.
كأن الدولة تنتظر وليّ أمرٍ تاهت عنه منذ 2005 اللبناني، وبشكل خاص منذ 2011 السوري، لكي يأمر «رجالها» فيأتمروا. ننتظره آتياً من السعودية، روسيا، إيران، أوروبا، أميركا، الصين… من أي عفريتٍ أزرق، ليلجمهم. إذ بدا واضحاً لنا أنّ «رجال العهد»، من المتضخّم إلى البذيء، لا يخجلون منّا. لا يراجعون أنفسهم بعد تصرّفٍ أغضبنا، وإنما يصبحون أشدّ تضخّماً وبذاءة كلما يُنتقدون. يقتاتون من جوّ الشتيمة.
وفي ظل هذا البرود الغامض تجاه أزمةٍ وجودية قيد الإنفجار، ارتأى العهد أن أفضل تصرّف لمواكبة هذه اللحظة التاريخية هو الذهاب بأضخم وفد ممكن إلى الأمم المتحدة، ليغفو أعضاؤه الكرام فوق كراسي اجتماعاتها الوثيرة قبل الخروج إلى الغدوة اللذيذة. و«بسكر باسمك مجد يا لبنان»، بين الفينة والأخرى.
عند هذا الحدّ من المصيبة، تصبح الاستعانة بالخارج، أو ظهور «وليّ الأمر»، نعمة.
ولكن، للأسف، يبدو أن هذا العهد على قدر ما يتجاهل مصلحة البلد الذي يحكمه، يعرف تماماً ما يحتاجه «العالم» منه. وتلك معادلته الذهبية. «العالم» ليس مهتمّاً بإصلاح الجوقة التي تحكمنا، وإلا لكان «سيدر» قد انطلق مثلاً. «العالم» يريد أساساً ضبط حركتنا فيه، وتحديداً الفقراء الهاربين منا. «العالم» يريد ردّ اللاجئين عنه، ضبط حدوده، ترتيب «نوعية» الوافدين منّا إليه. وإن كانت له مصلحة تجارية هنا، تُلبّى. وإن كانت له مصلحة مخابراتية هنا، تؤمّن. العالم يريد أن «تكرم عينه». وهذا ما يفهمه العهد ويطبّقه بالأسلوب الذي يتقنه، أي فرض القوة على الأضعف ورفس النقّاد وتصعيد الشتيمة. أما انهيارنا فليس على جدول أولويات العالم. وهذا ما لن نلوم العالم عليه.
نحن هنا في موقع العالقين بين ضفتين، قبل الغرق في بحرٍ بينهما: لا الدولة الشرعية تريد سماع صوت أحدٍ غير تيارها الضيّق ولا «أولياء أمرها» يريدون سماع صوتنا. ووفد السبعين يعرف ذلك تماماً.