بمشهدٍ مشابه لـرقصة السيف والترس لوريز الصحّة حمد حسن في بعلبك، أتخيّل البروفيسور فؤاد أيّوب محمولاً على أكتاف أعضاء مجلس إدارة الجامعة اللبنانية بعد أسابيع، مع سيف وترس، أو ربّما مع أوراق A4 بعد انقطاعها من الجامعة، يلوّح بها أمام الكاميرات والبسمة تمتدّ بين وجنتَيه، محتفلاً بإنهاء الامتحانات الجامعية للعام 2019-2020.
ما يحصل اليوم في الجامعة اللبنانية هو، كما تزعم الإدارة بـفيديو ترويجيّ لتلميع صورتها عبر صفحة الجامعة على الفايسبوك: «امتحانات الحياة». وأتى ذلك ردّاً على حملة أقامها الطلاب، تحت عنوان «امتحانات الموت»، منذ أسابيعٍ عدّة فور صدور التعميم القائل بوجوب خوض الامتحانات حضورياً، لا أونلاين. وحذّر الشبّان والشابات من خطورة الموضوع واستحالته.
مريباً كان إصرار إدارة الجامعة اللبنانية على المضي في الامتحانات خطّياً وحضوريّاً، قبل تأجيلها ليلة أمس، في الدقائق الأخيرة، بعد إصرارٍ مضاد من الطلّاب على المقاطعة. والمريب أكثر من ذلك، أنّ قرار التأجيل لم يأتِ عن قناعة الإدارة بضرورة الأمر، بل رضوخاً لضغط الطلّاب، و«تفهّماً لشعور الذعر لدى الطلّاب والأهالي». حتّى في بيان التأجيل، رفضت الإدارة التسليم بعجزها عن إتمام مهامها. للحظة، يعتقد المرء أن الطلّاب هم مجلس الإدارة الفعليّ.
لكنّ تأجيل الامتحانات أسبوعاً واحداً، ما عساه يفعل؟ فالمشكلة لم تكن محصورة بالشقّ هذا، وقرار التأجيل ليس حلّاً لها بقدر ما هو هروب للأمام. الأسبوع الماضي، وحيث تمّت الامتحانات فعلاً، تسلّم الطلّاب الأسئلة مطبوعة على أوراقٍ مستعملة (بينها إخراجات قَيدٍ لطلّاب سابقين). في كليّةٍ أخرى، طلبت الإداراة من أساتذتها حصر الأسئلة بورقةٍ واحدة، بسبب شحّ الأوراق. في كليّةٍ أخرى، انقطع التيّار الكهربائي خلال الامتحان، وأكمل الطلّاب على ضَوء أجهزتهم الخليويّة. أمّا خارج الجامعة، فكانت صعوبة المواصلات مادّياً وخطورة النقل العام صحّياً، وكانت صعوبة المذاكرة مع 4/24 ساعة كهرباء فقط في بعض المناطق.
كورونيّاً، سُجّلت أول إصابة في كلية الإعلام (1)، ثم ثاني إصابة في كليّة الصحّة (1)، ولكم أن تتخيّلوا ما كان سيأتي لو استمرّت الامتحانات. والأدهى أنّ حل الإدارة اقتصر- قبل التأجيل- على رسائل نصّية عبر مجالس الفروع غير الشرعيّة للطمأنة بأنّ كلّ الإجراءات اتُّخذَت، أو على تهديداتٍ شفهيّة بلزوم حضور الامتحانات وإلّا سنلغي الدورة الثانية.
لا يدخل هذا المقال، ولا كلّ اعتراضات الطلّاب، في باب «النَّقّ». هي صرخة احتجاج، مفادها أنّنا حذّرناكم من قبل، يا حضرة القَيّمين على إدارة الجامعة اللبنانيّة ويا وزراء التربية والتعليم، وحذّرناك أنت تحديداً يا فؤاد أيّوب، وكل من سبقك. حذّرناكم أن الاقتطاع المستمر من ميزانية الجامعة سيوصلها إلى الكارثة التي بلغتها اليوم، ورفضنا ذلك وأضربنا لأسابيعٍ طويلة. حذّرناكم أنّ امتناعكم عن تطوير المناهج وتجديدها وعن التجهيز اللوجستي للكليّات سيجعل الجامعة اللبنانية متأخّرة بشكلٍ رهيب عن باقي المؤسّسات التعليمية في البلد، وهذا ما يحصل الآن. للعلم، انتهت كل الجامعات الخاصة من عامها الدراسي 2019-2020، دون أن تعاني من أي إشكالية مذكورة هنا. فلا يحاولنّ أحد إقناعنا بأنّ هذا أفضل الممكن في هذه الظروف الاستثنائيّة.
الآن، مع تأجيل أسبوع– وقد يتلوه أسبوع آخر (وفق توقّعات وزارة الصحّة)، يبقى الطالب «لا معلّق ولا مطلّق»، يعاني من الضغط الدراسيّ أسبوعاً جديداً. تسوء حالته النفسية. يضيع وقته. يتغيّب عن عمله. تغيب عنه فرص في جامعاتٍ أخرى. بالمختصر، يتحمّل الطالب عبء فشل مجالس الإدارات المتعاقبة على الجامعة، وفشل الوزارات المتعاقبة، وفشل كل من ائتُمِن يوماً على هذه المؤسسة.
هنا، قد يقول قائل: شو ما عملنا مش عاجبكم؟ فعلاً، مش عاجبنا. إذ بلغنا حائطاً مسدوداً. ما الحل؟ لا أعلم. أساساً، ليست مسؤوليّة الطالب أن يقدّم حلولاً. هذا هو بالتحديد دور الإدارة. وكما تمنّت هذه الأخيرة أن نستفيد من الأسبوع الإضافي للمذاكرة، نتمنّى منها أن تستفيد منه لإيجاد حلّ عملانيّ، وإلّا فسوف يتكرّر مشهد المقاطعة.
لا لامتحانات الموت، وتسقط إدارة الجامعة اللبنانية. الضغط يُثمر، فلنستفد منه لتحقيق مكتسباتٍ حقيقية في معركة استرجاع جامعتنا الوطنيّة.