تعليق تحرّش
منار شربجي

تحذير: يحتوي على تعابير متعلّقة بالتحرّش وثقافة الاغتصاب

28 نيسان 2022

صدر الحكم بحقّ المتحرّش الأستاذ سامر مولوي. 20 يوماً في الحبس فقط. 
لم تكن تهمته التحرّش أو الاعتداء الجنسي أو استغلال موقع السلطة، بل كان «الإهمال الوظيفي». 
ولم تكن جناية، بل جنحة. 

لا أعرف من أين أبدأ وأيّ حججٍ أفنّد وأي خطابٍ أنتقد. 

سأبدأ بتحيّةٍ إلى الناجيات. لا أعتقد أنَّ أحدًا منّا قادرٌ على وصف شعوركنَّ حاليًا. أدرك أنَّ الحكم الذي صدر بعد جلسات الاستجواب المقرفة قد يشكّل خيبة أملٍ حادّة، أو قد يثير غضبًا وحقدًا عميقين لن يواسيهما أيّ استئنافٍ مستقبلي، حتّى ولو حُكم على المتحرّش بالحبس المؤبّد. 

أنتنَّ بطلات، والأمل الذي منحتنَّ إياه يمدّنا بقوّةٍ تساعدنا على مواجهة النظام الذكوري كلَّ يوم، خصوصًا الناجيات منّا اللواتي لا يستعطنَ البوح بتجرابهنَّ وفضح معنّفيهنّ. 


أخطأت في ظنّي سابقًا أنَّ صرخات الناجيات وشتم المدير المتواطئ بالـ«ذكوري» سيكون ضمانةً كافية لأن يعفّن مولوي في الحبس. إلّا أنّه لم يكن، لأنَّ القضاء لطالما تواطأ مع قتلة النساء ومعنّفيهنّ.  

جاء الحكم الرديء ليعزّز حجم الضرر الناجم عن فعل التحرّش والاعتداء الجنسي. انتقى القاضي زياد دواليبي مصطلحاته بتأنٍّ، في رسالةٍ منه إلى جميع الناجيات بأن يتردّدنَ قبل فضح المعتدي وأن يشكّكن بتجاربهنَّ وذاكرتهنّ. 

لم يكن منطقه عبثيًّا، بل تقصّد لوم الناجيات. فهذا القاضي ليس فرداً فاسداً في جهازٍ قضائي نزيه، بل هو النموذج الأمثل لقضاءٍ يحمي قتلة النساء ومغتصبيهنّ، خصوصاً وأنَّ دواليبي كان قد برّأ قاتل رولا يعقوب في 30 تشرين الأوّل 2018، قبل صدور الحكم الأخير بحبسه خمس سنوات. 


«المناطق الحسّاسة» 

«تصرفات التحرش الجنسي أو الإيحاءات الجنسية هي أفعال مادية ملموسة ومحسوسة واضحة، والتي خلت أفعال المدعى عليه المشكو منها من أي منها، فلم يداعب أو يلامس أماكن حساسة في جسمه أو في جسم أي من المدعيات». 

اختار القاضي أسئلة خبيثة تركّز على إذا ما كان مولوي قد لمس عضوه الذكري أمام الطالبات أو أعضاء الناجيات «الحسّاسة»، ثم استعمل شهاداتنَّ ليحارج بأنَّ المتحرّش لم يتعمّد جرم التحرّش، نافيًا هذه التهم. 

اخترع دواليبي مفهوم «المناطق الحسّاسة» ليبرّئ المتحرّش. فشدّد على أنَّ مولوي لم يلمس «العشعوش»، واكتفى بلمس الفخذ والظهر «لفترةٍ موجزة جدًا». 

ينسف هذا المصطلح تجارب الناجيات مع التحرّش والاعتداء الجنسي كليًّا، فليس من الضروري أن يلمس المعتدي «المناطق الحساسة» ليعتبر التحرّش تحرّشًا، بل يكفي أن تكون أفعاله، حتّى اللفظية منها، محمّلةً بطابعٍ جنسي وإيحاءاتٍ ضمنيّة، لطالما حاولت أبواق الذكورية أن تنكر وجودها وتشكّكنا بقذارتها ونواياها.   


خرافة الموضوعية 

«…الإيحاءات أو التحرش الجنسي لا يمكن استنتاجها أو تأويلها وفقاً لمنظورٍ شخصي مرتبط بالمدّعيات الشخصيات». 

يرسّخ القاضي منطق لوم الضحايا. اتّهم الناجيات بأنّهنّ بادرنَ بالتواصل مع المتحرّش، ثم شدّد على «موضوعيّة» المحكمة ووجوب «وضوح» الأدلّة. 

تعتمد هذه الحجج على ضرورة أن يكون التحرّش أو الاعتداء الجنسي مباشرًا وواضحًا، ما يشدّد على أهمية وجود توثيقٍ ما لفعل التحرّش. إلا أنَّ تجاربنا مع التحرّش والاعتداء الجنسي والاغتصاب أثبتت لنا كناجيات أنَّ فعل الاعتداء يكون في معظم الأحيان أعقد من أن يوثّق، وحتى إذا وُجد هذا الدليل، يستغلُّ كما في قضية مولوي ضدّ الناجيات ليحرّف أقوالهنّ وتجاربهنّ ويلومهنّ على جرم المتحرّش. 

إذًا، ما من «موضوعية» و«وضوح» في جرم التحرّش، فمنطق «الشخصي» بوجه «الموضوعي» يصبّ في خطابٍ يلوم الضحايا ويغذّي ثقافة الاغتصاب. ويمكننا أن نحاجج هنا أيضًا أنَّ قانون تجريم التحرّش، حتّى ولو كان خطوةً أولية مهمّة، يتضمّن ثغرة وجوب إحضار التوثيقات والدلائل والتي دائمًا ما استخدمت لإسكات الناجيات. 


عن العدالة والمحاسبة 

لا شكَّ أنَّ هذا القرار كان صادمًا ومثيرًا للغضب. إلّا أنَّه ليس بهزيمةٍ مطلقة، لأنَّ معركة الناجيات لا تنتهي مع حكم محكمةٍ تبرّئ المتحرّش وتلوم الضحايا، فمعركتنا أكبر بكثيرٍ من قاضٍ متواطئ وقانونٍ ينحاز إلى المجرم. 

إنَّ تشديد بعض التيّارات والجمعيات والمؤسسات النسوية على أهمية الإبلاغ وتقديم الشكاوى والتوجّه إلى القضاء والجهات المعنية يمنح مؤسسات الدولة الذكورية شرعيةً لا تستحقّها ويركّز على آليات محاسبة بالية لم ولن تمنح النساء العدالة المنشودة. 

إذًا، يتطلّب واقعنا كناجيات، خصوصًا بعد صدور هذا القرار، أن نعيد التفكير بمفهوم العدالة التي نريدها وسبل الوصول إليها، فالتركيز على المحاسبة القضائية كعدالةٍ مطلقة أثبت من جديد أنّه يصبّ فعليًّا في مصلحة المتحرّش والمؤسسات التي تحميه وثقافة الاغتصاب التي تبرّئه.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو يهدّد المحكمة الجنائية وكل من يتعاون معها
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
21-11-2024
أخبار
حدث اليوم - الخميس 21 تشرين الثاني 2024
25 شهيداً في عدوان يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة