قضية الأسبوع رياض سلامة
ميغافون ㅤ

توقيف رياض سلامة

أفخاخٌ في وجه التحقيقات

14 أيلول 2024

ريبة أوليّة

كان من الطبيعي أن تثار الشكوك حول مسألة توقيف حاكم مصرف لبنان وجديّة مسار التحقيق والخلفيّة السياسيّة التي دفعت باتجاه فتح الملف الآن وعلى هذا النحو. وكان ثمّة ما يبرّر هذه الشكوك. فنوعيّة المناورات السياسيّة والقضائيّة التي جرت منذ العام 2021 لطمس ملفّات رياض سلامة الجنائيّة، تدلّ على نوعيّة الحماية والحصانة التي تمتّع بها الرجل، قبل وبعد مغادرته لمنصبه. وطبيعة هذه الملفّات الجنائيّة كفيلة بتوريط رؤوس نافذة وكبيرة إلى جانب سلامة، وخصوصاً حين يرتبط الأمر بحقبة الهندسات الماليّة. فرياض سلامة لم يكن مجرّد حاكم لمصرف مركزي، بل نقطة التقاء النخبتين الماليّة والسياسيّة في النظام، ما يجعل محاسبته، إن حصلت، بمثابة ثورة. لذلك ساد الشكّ وما زال أن ما يجري قد يخبئ محاولة للنظام للتهرّب من العدالة. 


أفخاخ أوّل عشرة أيّام

بعد مرور عشرة أيّام على التوقيف، بدأت تظهر إلى العلن معالم الأفخاخ المنصوبة بإتقان للحؤول دون التوسّع الجدّي في التحقيق. فرغم إبقاء سلامة في الزنزانة خلال الفترة المقبلة، برزت مجموعة من التطوّرات التي تدفع للريبة أو الشك بمستقبل الملف القضائي، أو بالأهداف المتوخاة من فتحه الآن.

إبعاد غادة عون

شكّل حرص النيابة العامّة التمييزيّة على إبعاد القاضية غادة عون عن الملف، ومنعها من التحقيق شخصياً مع رياض سلامة، أو الحصول على المعلومات التي قدّمها مصرف لبنان، التطوّر الأوّل المثير للشك. جرى إبعاد عون بحجّة وجود دعوى مخاصمة ضدّها قدّمها وكلاء رياض سلامة، وهو ما يُفترض- وفقًا لاجتهاد القضاء الآن- أن يكفّ يد عون عن الملف. لكنّ مبدأ كفّ اليد ودعوى المخاصمة لا يفترض أن ينطبق على قضاة النيابة العامّة، في سياق الملاحقات القضائيّة التي يبادرون للقيام بها. فوظيفة النيابة العامّة هنا، عند تمثيلها مصالح المجتمع والحق العام، هو لعب دور «الخصم» عند اتخاذ خطوة الادعاء على المتهمين. 

للتذكير، كانت القاضية عون، بصفتها النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، هي من فتح أولًا ملف عمولات شركة أوبتيموم المشبوهة، التي حصلت على أكثر من 8 مليار دولار من العمولات غير المشروعة على حساب المال العام. كما فتحت عون عدّة ملفّات ترتبط بارتكابات أخرى لسلامة، مثل تزوير ميزانيّات المصرف المركزي، وإقراض المصارف الدولارات بعد الأزمة لتهريب أموال المودعين، واختلاس أموال المصرف المركزي عبر شركة فوري المسجّلة بإسم شقيق رياض سلامة.

النتيجة البديهيّة لإقصاء غادة عون عن الملف، هي منعها من التوسّع في التحقيق في الملفّات الموجودة بحوزتها، وحصر الملاحقات القائمة بالجانب الذي يتابعه حالياً قاضي التحقيق بلال حلاوي. وعند حصر الملاحقة والادعاء بهذا الجانب، لن يتم ربط أي معطيات تتوفّر بيد القضاء جرّاء استجواب سلامة، بالارتكابات الأخرى التي حققت فيها عون سابقاً. 

إبعاد هيلانة اسكندر

يمكن إدراج حرص قاضي التحقيق على إبعاد القاضية هيلانة اسكندر، رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، عن حضور جلسات التحقيق، تحت المنطق ذاته. فهيئة القضايا كانت هي من تابع ملفّات سلامة في المحاكم الأوروبية، بعد اتخاذ صفة الادعاء هناك. كما تابعت الهيئة التحقيقات السابقة مع سلامة وشركائه في لبنان.

جاء إبعاد اسكندر بذرائع قانونيّة ركيكة، إذ طلب قاضي التحقيق منها إبراز ترخيص من وزير الماليّة للسماح لها بتمثيل مصالح الدولة وحضور جلسات التحقيق، رغم عدم وجود أي نص قانوني يقيّد عمل الهيئة بموافقات من هذا النوع. بل على العكس تماماً: ينص القانون على منح الهيئة الاستقلاليّة التامّة، عند ملاحقة الملفّات القضائيّة المرتبطة بمصالح الدولة. وعلى أي حال، كانت إسكندر قد حاولت استباق ورود هذه الذريعة، بمراسلة وزير الماليّة الذي رفض إبداء الرأي أو الموافقة على خطوتها لعدم امتلاكه هذا الاختصاص أو الصلاحيّة بموجب القانون.

بهذا الشكل، لن يكون بإمكان اسكندر التقدّم في مسار ادعائها على رياض سلامة، والذي يشمل كل الملفّات التي جرى التحقيق فيها في لبنان وأوروبا. ما جرى مع اسكندر وعون، يوحي بوجود خطّة محكمة لتطويق الملف من جميع النواحي، وحصره قضائياً بما قرّر القاضي علي إبراهيم تحريكه في الإدعاء الذي تقدّم به، بناءً على طلب النائب العام التمييزي جمال الحجار. 

سريّة غير معتادة للتحقيق

على هامش هذه الأحداث، كان ثمّة ما يثير الشك في طريقة التعامل مع الرأي العام بخصوص التحقيق. فلأوّل مرّة منذ تحريك ملفّات رياض سلامة القضائيّة، تمّت إحاطة التحقيق الراهن بسريّة شديدة ومطبقة، إلى حد الامتناع عن كشف طبيعة الادعاء الذي تقدّم به إبراهيم. تصبح سريّة التحقيق مثيرة للشك حين تستجدّ فجأة بعد أن اعتدنا على تسريب محاضر التحقيق مع سلامة بتفاصيلها المملّة. بل وتصبح مثيرة للهواجس حين تستجد إلى جانب ألاعيب قضائيّة تحاول حصر الملف بجوانب ضيّقة، لمنع توسّعه باتجاه الارتكابات التي جرى التحقيق فيها سابقاً.

التركيز فقط على 42 مليون دولار

رغم الغموض الذي يحيط بالملف إعلامياً، كان من الممكن تلمّس بعض المعطيات التي تشير إلى تركيز التحقيقات على تحويلات بقيمة 42 مليون دولار من حساب مصرف لبنان إلى حساب المحامي ميشال تويني ثم إلى حساب إبن شقيقة رياض سلامة مروان عيسى الخوري. وهذا ما أكّده حصر استدعاءات الشهود بالأشخاص المعنيين بهذه التحويلات، وعلى رأسهم عيسى الخوري وتويني، بالإضافة إلى طبيعة المعلومات التي قدمها مصرف لبنان للقضاء.

هكذا، يكون القضاء قد ابتعد عن القضايا الكبرى التي تورّط فيها رياض سلامة، ومنها العمولات الضخمة التي تجاوزت قيمتها الـ8 مليار دولار في ملف شركة أوبتيموم، أو الاختلاسات التي قاربت قيمتها الـ330 مليون دولار، في ملف شركة فوري، بالإضافة إلى المسائل المرتبطة بتزوير الميزانيّات وتبييض الأموال في المصارف اللبنانيّة وأسواق المال الأوروبيّة. ما يُخشى منه في تركُّز التحقيقات على تحويل أقل حجماً وعلى شبهة أقل وضوحاً، هو أن تكون هذه الخطوة مناورةً متّفقاً عليها سلفاً، لملاحقة سلامة في أقوى نقاطه، أي في قضيّة يستطيع تبريرها أو التملّص من عواقبها لاحقاً. أو على الأقل، قد يكون الهدف هنا حصر التحقيق في ملف لا تطال تبعاته رؤوساً كبيرة أخرى.


ملاحقة قضائية للتهرّب من العدالة؟

كل هذه الشكوك تعيد طرح السؤال حول الهدف السياسي من التوقيف والغاية من تحريك الملف الآن. ثمّة تحليل يعتبر أنّ القرار جاء من جانب النيابة العامّة التمييزيّة، استباقاً لخطوة إدراج لبنان على القائمة الرماديّة لمجموعة العمل المالي. فأحد أسباب مخاطر الإحالة إلى القائمة الرماديّة، هو تقاعس القضاء اللبناني عن التحقيق في الجرائم الماليّة وتبييض الأموال. وقد قرّر القضاء توقيف سلامة اليوم، إما لتفادي هذا التصنيف، وإمّا لإبراء ذمّة القضاء أمام الرأي العام من مسؤوليّة هذا التطوّر السلبي. وثمّة من يرى أن التوقيف جاء استباقاً لأي مطالبة قد تقوم بها المحاكم الأوروبيّة لتسليم رياض سلامة، على اعتبار أنّه موقوف أساساً على الأراضي اللبنانيّة. في الحالتين، ثمّة ما يشير بوضوح إلى أنّ التوقيف لم يكن خطوة باتجاه المساءلة والمحاسبة الفعليّة. فمن يريد أن يسائل ويحاسب، يتوسّع في كشف الارتكابات وتقصّي الحقائق، بدل أن يحصر التحقيق في أضيق جوانبه، وفي أقل الارتكابات فداحةً.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال مقابلة مع «وول ستريت جورنال»
30 جريحاً في تل أبيب بصاروخ يمني 
أسبوع دراسي من دون الأسد
21-12-2024
تقرير
أسبوع دراسي من دون الأسد
بعد لقاءٍ مع هيئة تحرير الشام بدمشق
حدث اليوم - الجمعة 20 كانون الأول 2024
20-12-2024
أخبار
حدث اليوم - الجمعة 20 كانون الأول 2024
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 20/12/2024