تعليق أبويّة وذكورية
دارين أبو سعد

حذارِ من خدش الحياء العام: عن «فتيات التيك توك»

26 حزيران 2021

أخلاقنا جزء من قيمَنا وهي مستهدفة من أعدائنا كي لا تنهض هذه الأمّة المحكمة المصرية، خلال جلسة إصدار الحكم بحق كل من حنين حسام ومودّة الأدهم أو «فتيات التيك توك».


كان القاضي ينطق بهذه الكلمات، هازّاً رأسه، بإشارةٍ ترمز إلى الوعيد، وإلى أنّ الرجل تمكّن - للمرّة الثانية - من التمسّك بفريسته وها هو يعدّ لها القصاص على فعلتها.

لكن ما هي فعلتها؟

نشر ڤيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي والتيك التوك.

أصدرت المحكمة قرارها، مستشهدةً بمزيجٍ من الموعظة وشعرِ أحمد شوقي:

وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت

حكمت بالسجن 10 سنوات على حنين و6 على مودّة، إضافةً إلى غرامةٍ مالية طائلة.

اللافت هو تحوّل الموضوع من فتاة ترقص على تيك توك، وتؤسس وكالة لها ولصديقاتها، إلى تهمة

الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع، وتشجيع الفتيات المراهقات على بثّ ڤيديوهات تحرّض على الفسق والفجور، والاتجار بالبشر

كلها تهم انهالت على حنين التي سألت في فيديو نشرته لاحقاً:

إتجار في البشر؟ معرفش الكلمة دي! الكلمة دي كبيرة أوي!

الموضوع لم يكن إذاً كذلك. لكنّ المحكمة قرّرت أن تصيغه بهذا الشكل، حتى يسهّل لها إقامة الحدّ على الفتاتَين، من دون أن تلقى معارضةً من داخل المجتمع نفسه. بل على العكس، رحّبت الغالبية العظمى بالقرار، صوناً لـ«الحياء العام».


هيّا نبحث إذاً بماهية هذا الحياء، وكيف لهُ أن يُخدَش؟

القضاء المصري، وأيّ قضاء في العالم العربي عموماً، لم يرَ خدشاً للحياء في قضيّة الفيرمونت مثلاً، حين تناوب عدد من الشباب على اغتصاب الفتاة ذاتها، جماعياً، بعد تخديرها، وبعد حفر حروف أسمائهم على جسدها. أغلِقَ الملف بتبرئة المتّهمين جميعاً، لعدم توفّر الأدلّة الكافية، كما زعم الحريصون على أخلاق الأمّة. هنا إذاً، ما من حياءٍ خدشه أولئكَ الشبّان.

لكن فيديو تيك توك فعل ذلك، مستهدفاً الأمّة.

أبعد من ذلك، وكي لا ننزلق إلى ألاعيب المنطق الذكوري، فإنّ الموضوع لا يتعلّق بالرقص. نستذكر هنا، منذ أسابيع، تحليل دم الكاتبة نوال السعداوي بعد وفاتها. لا أعتقد أن نوال كانت تنشط على تيك توك، لكن الأكيد أنّها كتبت ما فيه الكفاية لحثّ النساء على التحرّر من قيود مجتمعهنّ.

هل كان هناك «عدوِّ» ما يقف خلف نوال ويستغلّها كي لا تنهض أمّتنا؟

منذ أيامٍ، قُمعَت ندوةٍ في الأردن كانت ستُعقَد في السنوية الأولى لرحيل المناضلة سارة حجازي، بحجّة ماذا؟ طبعاً: بحجّة حماية وصيانة المجتمع من هكذا أنشطة لاأخلاقية خارجة عن الدين والأخلاق والعادات.

لكن بالمقابل، أن تغتصب وتتحرّش الشرطة المصرية بعشرات الفتيات في الميدان خلال يناير، لم ترَه السلطات على أنّه نشاط لا أخلاقيّ خارج عن الدين والأخلاق والعادات.

الأمثلة تطول وتطول.

غنيّ عن التذكير طبعاً أنّ مسألة الاعتداءات الجنسية لا تُختزَل بمسألة وجود الأخلاق أو غيابها. أساساً، من حدّد ما هي هذه الأخلاق؟ أهو الشخص ذاته الذي حدّد «الحياء العام» وكيفيّة خدشه؟ يمكننا أن نجزم إذاً، أن الموضوع لا علاقة له لا «بالأخلاق»، ولا بصيانة المجتمع، ولا بمن يحزنون. بل إنّ هذه العناوين العريضة لا تتعدّى كونها شمّاعات تخفي وراءها البطريركية نيّاتها في قمع النساء وإقصائهنّ عن المساحات العامة والنقاشات الحيوية - من رقصةٍ على تيك توك، إلى نضالٍ يومي عن حقوق مجتمع الميم، إلى كتبٍ نسويّةٍ تحرّرية.

إذاً، ما من خدشٍ لحياءٍ عام، بل خوفٍ لدى السلطة من أن تتزعزع سلطتها. والعقاب الأبوي جاهز، ليس «دفاعاً عن أمّتنا»، بل هجوماً على كلّ من تسوّل له نفسه أن يتكلّم، أو يكتب، أو يرقص على التيك توك.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
24-11-2024
تقرير
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
صواريخ حزب الله تُصيب مصنعاً في الجليل
شهيد من الجيش اللبناني بقصف إسرائيلي على حاجز العامرية
إصابة مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية
إطلاق نار على السفارة الإسرائيلية في الأردن