تعليق الحرب على لبنان
طارق أبي سمرا

حزب الاستسلام وحكومة الهزيمة

28 تشرين الأول 2025

ما حصل في لبنان هو هزيمة كاسحة واستسلام غير مشروط. هزيمة واستسلام غير مُعلنَين، لا يريد أحدٌ من المسؤولين، سواء في الدولة أو في حزب الله، الإقرار بهما. كثيرون قالوا هذا، مُشدّدين على خطورة الإنكار، لكنّهم لم يطرحوا السؤال الأهمّ: هل الاعتراف بمثل هذه الهزيمة ممكن أصلاً؟

ما حصل هو وقف لإطلاق النار من جانب واحد. أي أنّه، من الناحية الحَرفيّة، لم يكن ثمّة وقف لإطلاق النار. لا معنى، هنا، للحديث عن خروقات إسرائيلية للاتفاق، فعندما يكاد لا يمرّ يومٌ من دون سقوط قتلى وجرحى، تصبح الخروقات حالةً «طبيعيّة»: تصبح القاعدةَ وليس الاستثناء. أي أنّ الحرب ما زالت مستمرّة، وإن بوتيرة أخف. ما حصل إذاً أنّ طرفاً توقّف عن القتال، فيما واصل الآخرُ القتل والتدمير يوميّاً، لكن بوتيرة أخفّ من السابق. هذا هو جوهر الاتفاق: أن يحجم طرفٌ عن القتال والدفاع عن نفسه، فيما يستمرّ الآخرُ بحربه، لكن بعدوانيّة أقلّ. هذه هي المقايضة التي حصلت: أرفعُ يديّ مستسلماً مقابل خفضِكَ منسوب القتل والتدمير. 

كلّ ما قيل عن وجود بنود سريّة في اتفاق وقف الأعمال العدائية هو على الأرجح هراء: فالاتفاق، كما تبيّن منذ بدء سريانه، لم يكن سوى تمويه لاستسلام حزب الله غير المشروط. ذاك أنّه وافق على الامتناع عن أيّ عمل حربي مقابل شيء واحد فحسب، وهو إبداء العدوّ بعضاً من الرحمة. بعبارة أخرى، سلّم مصير لبنان إلى رحمة إسرائيل، ومن دون أيّ ضمانة أنّ هذه الرحمة ستدوم.

هل يمكن لحزب الله أن يعترف بهذا الاستسلام؟ هل يمكن له أن يقرّ بمثل هذه الهزيمة؟ الأرجح لا، إذ أنّ التسليم بذلك يعني التسليم بانتفاء علّة وجوده، هو الحزب المقاوم تعريفاً. لذلك لا سبيل له سوى الإنكار، فالإنكار، فالإنكار. وبالفعل فهو لم يكفّ عن المكابرة منذ أكثر من سنة: لقد انتصر، وأعاد ترميم قدراته العسكرية، وبات في أتمّ الاستعداد للجولة الثانيّة من الحرب، مع أنّ الجولة الأولى لم تنتهِ بعد.

تتزايد الدعوات إلى حزب الله، من سياسيين وصحافيين وناشطين، للاعتراف بهزيمته وتسليم سلاحه تغليباً لمصلحة لبنان عموماً والجنوبيين خصوصاً. قد تكون هذه الدعوات صائبة، إلّا أنّه يبدو أنّ الذين يطلقونها يغفلون طبيعة حزب الله، كما لو أنّهم ينظرون إليه من الخارج فحسب. فحزب الله لا يستطيع أن يرى الأمور من هذا المنظور: أي أنّ هناك مصلحة عليا – مصلحة لبنان أو مصلحة سكّان الجنوب – ينبغي أن يضحّي في سبيل إحقاقها. ذاك أنّه حزب دينيّ يحمل عقيدة مهدويّة أخرويّة خلاصيّة، في صميمها الحرب مع إسرائيل. هذا ما يضحّي حزب الله في سبيله، وليس مصلحة لبنانية مُفترَضة لا تحظى بأيّ مكانة في عقيدته.

غير أنّ حزب الله ليس وحده في إنكار الهزيمة، فالحكومة أيضاً عاجزة عن الإقرار بها. فهي التي تشكّلت بوصفها حكومة السيادة، كيف لها أن تعترف بأنّها حكومة منزوعة السيادة؟ لقد أتت بعد استسلام غير مشروط، وهي تحكم حاليّاً بلداً محتلّاً. والاحتلال لا يقتصر على ما يُسمّى النقاط الخمس، بل يتجاوز ذلك بكثير: فسماء لبنان مباحة، وأرضه تراقبها المسيّرات بلا انقطاع، ومدنه وقراه تقصفها إسرائيل متى تشاء. أمّا إعادة الإعمار، فممنوعة حتّى إشعار آخر.

قد تقرّ الحكومة بالهزيمة شكليّاً أو كلاميّاً، لكنّها لا تستطيع الاعتراف بمعناها الحقيقي. فالاعتراف بذلك إنّما هو إقرار بأنّ لا حول ولا قوة لها، ولا تستطيع فعل شيء لوقف العدوان اليومي أو البدء بإعادة الإعمار. هو إقرار بأنّها أتت في الأساس نتيجة تلك الهزيمة، وبأنّ مهمّتها الرئيسيّة تطبيق الإملاءات الأميركية والإسرائيليّة، وعلى رأسها نزع سلاح حزب الله. الاعتراف بكلّ ذلك سيؤدّي إلى فقدانها الشرعيّة، إذ ستتضح حينئذٍ صورتها الحقيقيّة، وهي أنّها حكومة وصاية، تماماً كما يصفها خصومها تخويناً لها. غير أنّه ليس في قولنا هذا أيّ محاولة تخوين على الإطلاق، بل مجرّد إقرار بالواقع. فأيّ حكومة تتشكّل بعد استسلام غير مشروط– استسلام وافق عليه حزب الله ولا أحد سواه– إنّما هي بالضرورة حكومة وصاية.

إنّنا نعيش إذاً في مأزق يبدو عصيّاً على الحلّ في المدى المنظور. فالخروج منه لا يكون إلّا بالاعتراف بالهزيمة، غير أنّ أحداً لا يملك القدرة على ذلك.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً