نجيب: وقت ينقال المرأة بس سطر ونص بالبيان الوزاري؟ لا أنا بالنسبة لإلي المرأة كلمة واحدة: المرأة هي الحياة، المرأة هي الأم والزوجة والأخت والبنت والحفيدة، المرأة هي كل شيء
رجالٌ يصفّقون
رجالٌ يضحكون
نجيب: نحن بدنا نمكّنها وإلا نحن ما منكون واقفين هون لو ما هي جنبنا
إمرأة من الجمهور: [المرأة] متمكّنة، بس جيبوها
نجيب: بحب أكّدلكن انو المرأة موجودة بقلب كل واحد منّا، ونحن بدنا نمكّنا
نبيه: عم تتسمّع عليك هيّ
نجيب: نعم دولة الرئيس؟
نبيه: عم تتسمّع عليك عشان هيك عم تحكي هيك
نجيب: اي صح صح
رجالٌ يضحكون
سخرية، تقديس، اختزال، عزل. هكذا عبّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن دعمه للمرأة في وجه النسويّات الغاضبات ونقدهنَّ لحكومته في ختام جلسة مجلس النوّاب التي منحته الثقة.
في قراءةٍ أولى لخطابه، قد يبدو كلام رئيس الحكومة مديحًا بالمرأة من باب الاحترام، ولكنّ ميقاتي انتقى كلماته بحذر وفق ذكوريةٍ اختلفت عن تلك التي عهدناها في المجلس، ذكوريةٌ لائقة ومقنّعة.
أوّلاً، أسكت ميقاتي الانتقادات التي طالت حكومة المرأة الواحدة من خلال تبجيل النساء بحسب تعريفه هو. ربط المرأة به ليعطيها أهميةً. اختزلها بكلمةٍ واحدة. لم يُقرّ بوجودها إلا إذا نُسِبت إليه، إلا إذا أحبّت وأنجبت ورعت وربّت وضحّت. لم يرَها إلا منبعاً للعطاء وسنداً له. صنّفها تحت خانةِ «المرأة الحياة» النمطية التي لا تعترف بأفضال النساء إذا ابتعدنَ عن أمومتهنَّ.
لم يرَ إشكاليّةً في غياب النساء عن حكومته، فهي موجودةٌ في الحفظ والصون في قلبه وقلوب الجميع، بعيدًا عن صنع القرار، بعيدًا عن موقع القوّة، وبعيدًا عن خليّة الأزمة المثالية التي شكلها في محاولته لانتشالنا من الانهيار. إذًا، لم يكن حديثُه دفاعاً عن المرأة، بل كان تقديساً من باب الإسكات. كان تطبيعًا لهيمنة خطابٍ يخبّئ ذكوريته وراء تبجيل المرأة الأعجوبة ويستحقر العمل المنزلي والرعائي الذي لا يليقُ بالرجال.
ثانياً، نصّبَ ميقاتي نفسه مدافعًا عن المرأة، حارسًا لـ«تمكينها»، وساهرًا على تعزيزها. دافع عن بيانه الوزاري مصرًّا على تقديره للنساء بحسب تعريفه. إلا أنَّ ميقاتي نفسه لم يوزّر امرأةً واحدة في حكومتَيْه السابقتَيْن في 2005 و2011، ليعود ويوزّرَ امرأةً واحدة في حكومة الإنقاذ. البيان الوزاري الذي صاغه 13 رجلاً وامرأة واحدة، ووافق عليه 23 رجلاً وامرأة واحدة، خصّص سطرين للنساء، أكّد من خلالهما على تعزيز دور النساء وتكريس حقوقهنَّ وإزالة «جميع أشكال التمييز ضده[نَّ]»، من دون أن يورّط نفسه بصياغة آليةٍ واضحة، متناسيًا أنَّ مجلسه موقعٌ أوليّ يحافظ على «جميع أشكال التمييز».
لا يمكن للرجل مع سائر امتيازاته ومن موقعيّته الاجتماعية والاقتصادية اقتياد المرأة نحو حريتها (الأمر الذي ينطبق على حد السواء على رئيس حكومةٍ أو على ناشطٍ يساري يدّعي النسوية). أراد ميقاتي في تصريحه هذا عزل النساء عن العمل السياسي، وكأنّه يقول لها ابقي أنتِ الأمّ والزوجة بينما نسعى نحن الرجال إلى تمكينكِ.
ثالثاً، لعلّ البرهان الأوضح على ذكورية خطاب ميقاتي هو ردّة فعل السادة النوّاب على كلامه، الذين صفّقوا وضحكوا بسخرية بعدما ادّعى انحيازه إلى تمكين المرأة. باتت صورة النوّاب وسخريتهم مشهدًا اعتادت عليه النساء في كلِّ مرةٍ يناقشنَ فيها قضاياهنَّ مع رجالِ. مشهدٌ ذكوريٌّ يستهزئ بالنساء ويرى في أحاديثهنَّ ومطالبهنَّ السياسية دعابةً سخيفة.
اختتم ميقاتي مسرحيّته بإلغاءِ كلّ ما جاء على لسانه من مديح، بعدما نسب رئيس المجلس نبيه برّي سبب هذا التملّق إلى مشاهدة زوجة ميقاتي لجلسة منح الثقة، فما كان لميقاتي إلّا أن وافق، ضاحكًا.
بعيدًا عن الجلسة، أعاد تشكيل الحكومة نقاشًا ليس بجديد عن ضرورة إقرار الكوتا النسائية كمطلبٍ نسوي يحول دون إقصاء المرأة من التمثيل والعمل السياسي. وبينما يُعتبر هذا المطلب خطوةً مرحليةً ضروريةً (إلى حدٍّ ما) لضمانة وجود المرأة في المواقع التشريعية، إلا أنّه ليس خلاصاً.
تستغلّ هيمنة الرجال على المجالس التشريعية قضايا التمثيل الجندري. فتبقى المرأة صورةً تجميليّة في هذه المجالس، لا يمنع وجودها من تشريعِ قراراتٍ تعزّزُ الاضطهاد والعنف والتحرّش والقتل. شهدنا منذ وقتٍ ليس ببعيد نموذجًا مشابهًا. جاءت حكومة حسان دياب بوزيراتها الخمس لإسكات النضال النسوي الذي اكتسح الفضاء العام بعد 17 تشرين. لم تصل إلى هذه الحكومة، كما جميع الحكومات السابقات، إلّا نساءٌ من صلب السلطة الحاكمة. أضفت الوزيرات على الحكومة طابعاً تقدّمياً تشاركيّاً يصوّر المرأة على أنّها في موقع السلطة. إلّا أنّها لم تكن كذلك، إذ فضّلت حكومة الإنجازات دعم شفرات الحلاقة على الفوط الصحيّة مساهمةً في تفاقم فقر الدورة الشهرية، وأعادت النساء إلى المطبخ، وتنمّرت على الوزيرات.
ليست حكومة ميقاتي ذكوريّة فقط لأنها تضم وزيرةً واحدة، بل لأنها نموذجٌ يطبّع الهيمنة البطريركية وسرديّاتها، ويستكمل مسيرة إنقاذ «جميع أشكال التمييز».