انتهت انتخابات الثلاثاء الكبير التي يجري التنافس فيها على 1221 مندوباً من أصل 4000 ضمن الانتخابات الداخلية للحزب الديموقراطي الأميركي. وانحصرت المنافسة بين نائب الرئيس السابق «الوسطي» جو بايدن والسيناتور «الاشتراكي الديموقراطي» بيرني ساندرز، لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في وجه الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب.
مع بدء ظهور نتائج انتخابات ولايات الجنوب واكتساح بايدن لها، بدا وكأنّ الانتخابات ستنتهي بإحرازه تقدّمًا كبيرًا على نظيره من ولاية فيرمونت، وخاصة بعد إعلان نتائج ولاية تكساس الغنيّة بالمندوبين (228) والتي كان من المُرجّح فوز ساندرز بها. لكنّ الأمور لم تُحسَم تماماً بالنسبة لبايدن مع زيادة احتمال فوز ساندرز بفارق كبير في كاليفورنيا (415) التي تضمّ 10% من إجمالي مندوبي الانتخابات الداخلية.
لا يُلغي ذلك صدمة بيرني الذي كان من المُرجّح فوزُه بقوّة قبل أقلّ من أسبوع. فقد أظهرت انتكاسته، مرّةً أخرى، صعوبة المرشّحين اليساريّين في التغلّب على تحدّيات تلاحقهم في كل مكان:
الأوّل، مخاطبة الناخبين المتردّدين لأسبابٍ هوياتية. وكان بايدن قد حصل على العدد الأكبر، بفارق كبير، من أصوات الأميركيّين ذوي الأصول الأفريقية، وخاصة في الجنوب: تكساس (58%)، فرجينيا (60%)، كارولاينا الشمالية (62%) ألاباما (72%). وذلك بسبب قدرته على مخاطبتهم على الرغم من انتمائهم غالباً إلى الطبقات الاجتماعية التي تنحاز بالعادة لساندرز. للأمانة، حاول الأخير جاهداً حلّ مشكلته في مخاطبتهم، لكنّ صداقة بايدن المتينة مع باراك أوباما صعّبت المهمة، في ظلّ الشعبية الهائلة التي يملكها الأخير عند تلك الفئة.
يقابل فشل ساندرز في استقطاب الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية نجاحُه القوي في استقطاب المتحدّرين من أصول لاتينيّة الذين أنقذوه بمنحه ما يقارب نصف أصواتهم في كاليفورنيا وتكساس مقابل منح أقل من ربع أصواتهم لبايدن. وقد نجح في مهمّته هذه بعدما كانت هيلاري كلينتون قد تفوّقت عليه بفارق كبير في هذا المجال سنة 2016، وذلك بفضل تبنّيه برنامجاً متقدّماً في ما يخصّ الهجرة، إضافةً إلى تنويع فريق عمله وضخّ الكثير من المال للترويج لبرنامجه باللغتين الإسبانية والإنكليزية في المناطق التي يشكّل اللاتينيون نسبة كبيرة من سكّانها. كما عمل على تنظيم حملات انتخابية مع رموز وازنة من خلفية لاتينية مثل أليكساندريا أوكازيو كورتيز. الثاني، الشباب، وهم ميّالون إلى اليسار عموماً، لكنّهم لا يشاركون في الانتخابات بالنسب نفسها لمن يكبرونهم سنًا. فقد حاز ساندرز على نسبة 61٪ من أصوات الناخبين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عامًا مقابل 17% لبايدن. وفاز بنسبة 43% من أصوات الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 سنة مقابل نسبة 23 ٪. بينما صوِّت مَن هُم أكبر سنًّا لبايدن، ولكن بفارق أقل. غير أنّ محاولات ساندز لجذب أعداد كبيرة من الشباب إلى صناديق الاقتراع باءت بالفشل.
الثالث، إقناع الناخبين بإمكانية نجاحك. فبعكس ساندرز الذي يتكلم مراراً عن ثورة سياسية، ارتكزت حملة بايدن على المعقول. أقنع الكثير من الناخبين أنّ حظوظه في الفوز ضد ترامب أفضل من حظوظ ساندرز، وأنّ برنامجه قابل للتنفيذ. بكلام آخر، قال بايدن (ومن ورائه مؤسّسة الحزب الديموقراطي) للناخبين: نعم، تفضّلون برنامج ساندرز، ولكن كي نفوز ضد ترامب عليكم أن تضعوا آمالكم الحالمة جانباً. ولم يستطع ساندرز إقناعهم بعكس ذلك. لم يفتعل ساندرز أيًّا من هذه التحدّيات، ولم يتجاهلها، ولم يقترف أخطاءً جسيمة في مواجهته لها. ولكنّ عجزه عن التغلّب عليها كلّفه باهظاً.