فكشن
سلسلة
الزاوية
عمر ليزا وكارن كيروز

ليش هوّ مش نحن؟

25 أيار 2025

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.

سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ. وهذه هي القصّة الخامسة من «الزاوية»، مقهًى ما زال قيد الافتتاح.


لم أنم. تذرّعتُ بالمصرف كي أخرج باكراً، تاركاً مهمّة فتح المقهى لجنى.

اتّجهتُ نحو «المشروع» أبو أربع خمس أبواب متوجّساً. أمس قبل أن تنام جنى أدارت ظهرها وقالت: شو قولك؟ رح نرجع من الصفر عن جديد؟
أجبتها سريعاً: لاه شو بكي ليه دغري راح فكرك لهونيك؟ قلتها رغماً عنّي، رغم تشاؤمي. غفت جنى وحدها وبقيت أتأمّل السقف المتشقّق. قولك رح نرجع من الصفر عن جديد؟

لم أنم. خرجت باكراً وتوجّهتُ للمرّة الأولى نحو ورشة «المشروع» المزعوم. عندما قرّرنا افتتاح القهوة، فعلنا كل شيء بأنفسنا، حتّى السنكرية، إلى أن توسّطنا مع المختار و دبّر لنا سمكري شاطر: مشغول بس بيدبّركن قال، وصاحبنا… جرّاح أخو الشليتة ما بيفضى.

وصلتُ إلى الورشة و لم أجدها. لم أجد ورشةً، إذ كان المحل مكتملاً: بار، كراسي جلد أزرق، ماكينات قهوة كروم إيطالي، مطبخ خلفي. كلّه خالص. غاب عن بالي أنّ التلكّؤ باستكمال ورشتنا سببه ميزانيتنا المحدودة. بلاط تراثي، فسحة خلفيّة تحت الأشجار، باب جرّار أوتوماتيك وموقف لسيّارتَين– على الأقلّ… ونحنا الدين راكبنا. برّاد للحلويات، منيو إلكتروني وطاولات غرانيت.
ليش هوي مش نحنا؟

مشيتُ خطوتين نحو الجهة المقابلة وعثرتُ أخيراً على إسم المحلّ: قهوة الريش. لم يخب أملي. فهي فعلاً قهوة الـriche والريش.

- شو ريّس؟ ع ذوقك؟
عرفتُ عطره المقرف قبل صوته. التفتتُ ناحيته متصنّعاً ابتسامة.
- والله تمام! مبروك… ان شالله عندكن ماتشا؟
- ههه أكيد… كل شي تريند عنّا.
- قصدك تريندينغ.
- شو؟
- ما شي ما شي… يلّا منشوفك… شو بيقولو… أوه… تشوف عوجّه الخير.
- ههه كتير حب جار! بوسات.

تراجعت خطوتين ورفعت يدي مودّعاً.
شو هيدا… أعجبني المقهى للصراحة، إلّا أنّني لم أقوَ على مصارحته. كراسي الجلد الأزرق، لونها… مذوق! ماكينة القهوة الكروم استغرقت شهراً كي تصل إلينا، كيف وصلت ماكينته بأيام؟ أيقنتُ لحظتئذٍ أنّ «الزلمي واصل». لا تقتصر القصّة على المحلّات.. مبكّلها. من أعطاه كلّ هذه الثقة؟

وصلتُ إلى قهوتنا ورأيتُ جنى تتبادل الشتائم مع سامي كالعادة:
- طوّلوا بالكن… شو صاير؟
هدأت جنى واتّجهت صوب البار وهي تُتمتم:
- ما شي بس سامي عم ياكل خرا
ردّ سامي محاولاً تبرير نفسه:
- يا خيّي عم بشتغل مع مرشّحين ع البلديّة هلّق منيح؟ قالولي أعمل برمة شوف اذا حدا عايز خدمة، في شي ما يُقال؟
- انّو… لأ كفّي
- ايه هيك كبّيتها قدّام جنى إنو اذا عايزين شي بالقهوة منسايركن وبتسايرونا.
- وولعت
- شو ولعت؟ قرطتني بهدلة يا زلمي الي ربع ساعة بعتذر.
- طيب وصلت الرسالة لكان.
أشّر لي أن أقترب منه فاقتربت.
- ليك اذا هول بالبلدية حطوك براسن مشكلة
- هههه شو عم تهدّدني سامي؟
- هه لاه عم قلّك انّو بيفيدوك أكتر ما بيضرّوك اذا بتعرف شو تعمل

فكّرت بقهوة الريش وقلت له ماشي. ماذا عساي أُجيب؟ «تكرم عينك»؟ لست متملّقاً إلى هذه الدرجة… «مستحيل»؟ «تخيّل»؟ لست بهذه العدائية أيضاً. تذكرتُ مقولةً كنتُ أسمعها من أبي كلّما تذمّرتُ من راهبات المدرسة: الإيد اللي ما فيك ليها، بوسها ودعيلها بالكسر. ولكن الانتخابات ليست مدرسة ولا المرشّحون هم الراهبات. جلستُ خلف البار واستندتُ إلى كتف جنى الملتهية بهاتفها. دووم سكرولينغ.

- ليك… ليك ملّا كوفي شوب… وين… يه هيدا تبع الحي هون! 
- ايه
- إسمه cafe riche؟
- اسمه قهوة ريش، هيدي بس لإنستاغرام.
- بكرا الافتتاح!
- بكرا؟
- ايه…

شردَت جنى لثانية، فاستدركتُها:
- بدّك نروح؟
-ابتسَمَت.
- منروح.
تدخّل سامي من حيث لا ندري:
- لوين؟
أجابت جنى وهي تضحك:
- انت سكوت مش رايح مطرح.

سلسلة

الزاوية

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ.
هذه قصص «الزاوية»، يوميات مقهى ما زال قيد الافتتاح.

مصمّم عقاري | فكشن
قهوة الريش | فكشن
بوتين اله مصلحة | فكشن
ممنوع التكلّم بالسياسة | فكشن
بطل السلم وبطل الحرب | فكشن
بسين في زمن النووي | فكشن
زياد يحسم: «يا راسي يا راسه» | فكشن
جنى وأنا | فكشن

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
نتنياهو لترامب: أُرشّحكَ لجائزة نوبل للسلام 
تحليل

حربٌ أم عرضٌ ترفيهي؟

طارق أبي سمرا
حدث اليوم - الاثنين 7 تمّوز 2025
07-07-2025
أخبار
حدث اليوم - الاثنين 7 تمّوز 2025
سلاح حزب الله والضغط الأميركي
07-07-2025
تقرير
سلاح حزب الله والضغط الأميركي
3 سيناريوهات لما بعد زيارة برّاك
القضاء يتراجع عن استدعاء «نقد» أمام «جرائم المعلوماتيّة»
مقاطعة من حول العالم للمؤسّسات الإسرائيلية