شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ. وهذه هي القصّة الثالثة عشرة من «الزاوية»، مقهًى ما زال قيد الافتتاح.
- ملك الحي! أنا ويّاك رح نعمل كتير قصص سوا…
ترنّح رئيس البلدية موسى وهو يخرج من الفيلا، مودّعاً ناتالي وسمر وكيندا، بعد أن وضع عشرين دولاراً في جيب كلّ منهنّ.
- كس اخته ما أبخله
- فريد فينا نفوت؟ برد
- فوتوا فوتوا… بس ناطره يطلع بالتاكسي.
دعَوت أعضاء البلدية إلى العشاء في منزلي ليل أمس، وضمنتُ ولائهم فرداً فرداً. لكلّ منهم سعر أو نقطة ضعف. أضعفهم اشتريتُه بقنينة ويسكي يابانية لا يتخطّى سعرها الخمسين دولاراً. الباقي كانوا ما بين تسهيل مصالح محلّية ببضعة اتّصالات وطرابيش، وشيكّين أو ثلاثة لضمان «حسن النية». أمّا الريّس فكان له سعره الخاص. التقطتُ من نكاته وملاحظاته أنّه مولعٌ بالنساء والجنس. لم يكن الأمر صعب الملاحظة،إذ كان بعد أن يذكر إسمَ أيّة امرأة، من الحي أو من خارجه أو ممثّلة أو مغنيّة… أيّةُ امرأة، كان يقول: «ايه بس فلانة مرا»، وهو يجمع أصابع يده اليمنى ويعضّ على شفّته. اتّصلتُ بأحد رفاقي وطلبتُ منه تلبية الريّس موسى، فجاءني بناتلي وسمر وكيندا. أحسّت نجوى– السيّدة الوحيدة بيننا– بالإحراج وغادرت العشاء متذرّعةً بأولادها. وارتاح الجميع بعد هذه الخطوة.
قدّمتُ الكوكايين بخفية للأعضاء الشباب وحرصتُ على إبقاء الأمر سرّاً بيننا، كي يعتقدوا أنّني أميّزهم عن سواهم. ثم أخذَت الصبايا تتودّد إلى الجميع، ولكن الريّس موسى كان الهدف. وبعد أن خلع سترته والكرافات، وبعد أن فتحَ الأزرار الثلاثة الأولى من قميصه، جلستُ إلى جانبه. ثقلُ لسانِه صعّب عليّ المهمّة، ولكنّي صبرت. «كلّها هالليلة يا فريد، طوّل بالك».
- مرقت عندكن مبارح ع القهوة
- والله ريّس؟ أي ساعة ليش ما حكيتني إنزل؟
- توقّعتك تكون تحت… كنت نايم؟ ههه
- ههه لاه كان عندي اجتماع بكّير
- همممم… فاتحلها ع الآخر إنت عالرصيف…
- ايه ما ع أساس حكيت معكن قبل ما نفتح
- ايه حكيت معنا بس ما صار إلّا حكي عرفت عليي؟
- همم ايه بس ع أساس محلولة
- ايه بس صار بدك نبعت الشباب ع غير محلّات كبسات… صار غير حديث
- كيف يعني؟
- مش مزبوطة نعمل هيك
- إذا مش مزبوطة ليش عملتوها؟
- أهاااا. هون لبّ لحديث. ع شو ناوي انت؟ هات لنشوف بركي منلاقي حلّ يرضينا و يرضيك خواجا فريد.
- بكرا بلاقيلك حلّ. الليلة ما تشغل بالك.
اندمج الريّس موسى بأجواء السهرة ولم يسألني عن أي شيء من بعدها. ترنّح وهو يخرج من الفيلا، وودَّع ناتالي وسمر وكيندا بعد أن وضع عشرين دولاراً في جيب كلّ منهنّ.
غفوتُ لعشر دقائق. وحلمتُ بزياد من قهوة «الزاوية»، راكباً على حصانٍ أسود عند مدخل قهوة الريش، مقهاي. سحب سيفاً برفع الدبّوس ولكنّ بأنين ثاقبٍ، بحديدٍ لامع. رسمَ حرف Z على الحائط، وابتعد حتّى اختفى. ثمّ عاد بسرعة جنونية نحوي ودخل المقهى وهوى الحصان بثقله على صدري. شهقتُ كلّ ما أمكنَني من هواء حين فتّحت عينَيَّ. أحسستُ بثقل بلاطة على صدري. أجبرتُ نفسي على الوقوف وبدأت نهاري ببعض الاتّصالات لأعضاء البلدية، ولكن لم يجب أحدٌ منهم. على الأرجح ما زالوا في نومهم. نزلتُ إلى قهوة الريش لأتفقّد الشباب.
- مرحبا شباب. شو؟ ليه بعد ما حطّيتو الطاولات برّا؟
- مرحبا استاذ فريد… هو حطّيناهن بس إجوا من البلدية شَيّلونا إيّاهن
- شيّلوكن ياهن؟ كيف يعني؟ مين؟
- ما بعرف بس قال الرخصة صار بدها تجديد.
- تجديد ايه؟ هيك لكان. ضهّروهن ارجعوا.
سمعتُ صوتَ سيترن المَي في الشارع المُحاذي وتذكّرتُ حصانَ زياد. فُتحَ باب المقهى فاستدرتُ لأجد جنى، زوجة زياد، أو صديقته، تتّجه صوبي.
- مرحبا يا أهلا.
- اسكت ولا أهلا ولا سهلا.
- يه يه شو في؟
- شو عم تخبّص فريد؟
- خبّص؟
- شو هيدي المنيكة بالبناية ومع البلدية؟
- أيا منيكة؟
- أيا منيكة ايه؟
- يا عمي شو صاير معكي؟ ليه مهسترة؟
- أنا مهسترة أو انتَ كذاب؟ انشالله يكون عم يدفعلكن كسّ إخت هيك جيرة.
وخرجت وهي تُتمتم.
- شو بدكن فيها معصّبة. كفّو عادي. يلّا ضهّروا الكراسي.
هل انكشف أمري فعلاً؟