فكشن
سلسلة
الزاوية
عمر ليزا وكارن كيروز

قهوة الريش

6 حزيران 2025

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ.
وهذه هي القصّة السادسة من «الزاوية»، مقهًى ما زال قيد الافتتاح.


حُدّد موعد الافتتاح اليوم، عند الساعة الرابعة. صببتُ الكأس الأوّل عند الحادية عشرة. بكّير ولو، قال سامي، ولكن لم يكن فعلاً «بكّير». اهترأت أعصابي في اليومين الأخيرَين، وقد حاولتُ جاهداً إخفاء هذا الأمر عن جنى.

معقول إنهار من أوّل منافس؟
كيف غير ناس فاتحة ميّة قهوة بنفس الشارع؟ 
من كلّ عقلي أنا نفتح وخلص نحتكر الشارع؟

كرعتُ كأسيَ دفعةً واحدةً وصببتُ التالي بشكلٍ خفي. سامي حشّور أكثر ممّا ينبغي.
دخلت زبونة جديدة وجلست مع منال. ذهبتُ نحوها وأحسُست بخفّةٍ ما في قدمَيّ. ضرب الكأس.

-مرحبا، عبالك تشربي شي؟
-مرحبا ايه واحد لاتيه بليز.
-حليب عادي؟

وضعَت يدها على معدتها، ونظرَت باتّجاه منال. أصابعها الطويلة في يدها اليمنى تنقر على الطاولة، وفي تلك اليسرى على بطنها.

-بتعرف شو؟ ايه عادي.

عدتُ إلى البار وأنا أفكّر بالوشم الذي لمحته على رقبتها. سمكة كوي يابانيّة تصارع تنّيناً أكبر منها. امتدّ الوشم من كتفها الأيمن وحتّى الرّقبة. أترى نفسها تنّيناً أم سمكة كوي؟ شو الفكرة يعني، شو العبرة من هالتاتو؟ أينبغي أن يكون للوشم عبرة؟ أهو يُخاطب المتفرّج أم الموشوم أم ذاك الذي دقّ الوشم؟ غرقتُ في ذهني وأنا أضيف الحليب العادي على فنجان الإسبريسو، وعدت نحوها. نظرَت صوبي تستعجلني، فسهَوت للحظة. نسيتُ قهوة الريش، وكدتُ أن أنسى جنى. توقَّفَتْ عن نقر أصابعها فاستدركتُ نفسي وخطوت آخر خطوة.

-لاتي؟
هزّت برأسها إيجاباً. ابتسمت منال وقالت لي:
-ماشي الحال؟
أوف. هلقد بيبيّن عليّي؟

ناولتها قهوتها وعدتُ أدراجي خلف البار، واستعدتُ قلقي أيضاً، منتظراً الساعة الرابعة. أخيراً، أتت جنى.

-وين صرتي؟
-شو وين صرت؟ بعد بكّير للأربعة.
-لأ قصدي… ما شي انسي… بس عبالي ريّح شوي
-راسك؟ اطلع نام شوي

أومأت برأسي وخلعتُ الوزرة وخرجت.

-بوعّيك؟
-ايه دقّيلي

مبتعداً، رأيتُ منال وصديقتها تنظران نحوي وتتهامسان في ما بينهما. عنّي أكيد. أغلقتُ بوّابة المبنى الثقيلة بقدمي، وتسلّقت الدرج ببطء. ارتميتُ على الكنبة وأغلقت عيناي. افتتاح «قهوة الريش» بعد ساعات قليلة. 

أين البنادول؟ 
تنّين وسمكة كوي. 
أليس الأدفيل أفضل من البنادول؟
كراسي جلد أزرق.
البانادول أزرق أيضاً…

استسلمتُ للنوم من دون أن أستيقظ إلّا على رجيج موبايلي. يلا جايي. غسلتُ وجهي، ثم حبّة بنادول، ثم حبّة أدفيل، مع أنّ الصداع كان قد زال. ماشي. نزلتُ السلالم ببطء وتوجّهت نحو جنى.

وجدتُها تقفل باب المقهى بعد أن علّقت على الباب ورقة: راجعين. 

-شو أحسن؟
-ايه
-يلّا؟
-يلّا.

أمسكت بي، بقبضةٍ تمزج الحبَّ بالقلق، وشدَّت، فبادلتها بالشدّ. ربّما أبالغ بقلقي؟ كلها قهوة… سبقَتْني بخطوةٍ وشدّتني خلفها، فأحكمتُ قبضتي من جديد وسبقتها بخطوتين. نلعب هذه اللعبة دائماً. نمشي في الحيّ كأنّنا نتسابق من دون أن نقرّ بذلك. تُحيطنا هذه المرّة صور المخاتير ومرشّحي البلديات.

-شو مين رح تنتخبي؟
-شو بيعرّفني… جاهز لكافيه ريش؟
-هاها اسمه قهوة الريش
سبقتني بخطوتين وانكشفت لها قهوة الريش.
-آه منيح مش كتير عجقة
-ليكي سامي ليكي
سامي، جالساً مع المالك الجديد (أبو جيل وكولونيا) ويضحك من قلبه.
-تعي نقعد معهن.

في المحل، ليس أكثر من عشرين شخصاً. جلستُ معهما وتركت جنى تكتشف المكان. حاول سامي إخفاء ارتباكه، بس «الدني انتخابات»، فمازحته قليلاً لأطرّي الجو. اكتشفتُ أنَّ المالك اسمه فريد، يعني «يُنيك»، كما قال لي، مبتسماً، تلك الابتسامة السمجة المرفقة بغمزة. ضحكتُ معه قبل أن أفهم قصده.

-لعب ع الكلام… فهمتا؟
-هاها ايه ايه

ما أسمك دمّك. ضيعان هالمحلّ فيك. عرضَ علينا القهوة فشربنا اسبريسو ومدحناه، سامي وأنا.
-شو جار… قرّرت مين رح تنتخب؟
-لا صراحة بعدني عم فكّر فيها.
-شو عم تفكّر فيها؟ أنا نازل ع المخترة. قلّي سامي انت وجنى من عضام الرقبة.
من عضام الرقبة؟ ارتبك سامي ووقف بسرعة وهو يتمتم:
-هلّق بكّير نحكي انتخابات، معنا جمعة بعد… جنى، شو؟ عجبك المحلّ؟
تبادلت النظرات مع فريد ووقفتُ ببطء.
-انشالله خير… مبروك القهوة استاذ!
بقي جالساً حتّى أتت جنى، فوقف.
-ستّ جنى ما دوّقناكي القهوة!
-معليه غير مرّة… شاربة كتير اليوم… بتعرف عنّا قهوة، هاهه
استغلّ سامي الفرصة وانسحب قبل أن أتكمّش به. مدّت جنى يدها وصافحته.
-مبروك المحلّ! نحنا رح نمشي قبل العجقة!
-هه يا أهلا وسهلا
-يلا موفّق مختار

خرجنا مع دخول دزّينة من المراهقين. سبقتني جنى بخطوتين، وتبعتها.
-شو عذوقك؟ ستّ جنى!
-هاهاهاه
-ما دوّقناكي القهوة!
-ههه شو سمييييك!
-أنا أو هو؟
-تنيناتكن.
-حلو المحل لأ؟
-ايه
-ايه شو؟
-شو ايه شو؟ حلو المحلّ الله يوفّقه.
-آن هيك…
-شو بدّك قلّك؟ انشالله تطلع قهوته مش طيبة والكايك معفّن ت يسكّروه بالشمع الأحمر؟
-صوب هيك شي إيه
-خلص بقى زياد… هيدي اللعبة، بدنا نلعب...

كالتنين وسمكة الكوي. فهمتها الآن وابتسمت.
سبقتها بخطوتين ونزعت ورقة «راجعين» عن الباب.

سلسلة

الزاوية

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ.
هذه قصص «الزاوية»، يوميات مقهى ما زال قيد الافتتاح.

مصمّم عقاري | فكشن
بوتين اله مصلحة | فكشن
ممنوع التكلّم بالسياسة | فكشن
بطل السلم وبطل الحرب | فكشن
ليش هوّ مش نحن؟ | فكشن
زياد يحسم: «يا راسي يا راسه» | فكشن
جنى وأنا | فكشن

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
حدث اليوم - الأربعاء 25 حزيران 2025
25-06-2025
أخبار
حدث اليوم - الأربعاء 25 حزيران 2025
فوز ظهران ممداني
25-06-2025
تقرير
فوز ظهران ممداني
نيويورك ضدّ فاشيّة ترامب  
ترامب يُهاجم الإعلام الأميركي:
25-06-2025
تقرير
ترامب يُهاجم الإعلام الأميركي:
النووي الإيراني دُمِّر تماماً
احتجاجات البندقية تنجح: جيف بيزوس يبدّل موقع زفافه
القضاء الأسترالي يُنصف صحافية طُردت بسبب موقفها من غزّة
نتنياهو: لن يكون لدى إيران أسلحة نووية