فكشن
سلسلة
الزاوية
عمر ليزا وكارن كيروز

12: مَن هو الخائن بيننا؟

12 آب 2025

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ. وهذه هي القصّة الثانية عشر من «الزاوية»، مقهًى ما زال قيد الافتتاح.

مات زياد الرحباني أمس. وصلني الخبر باتّصالٍ من والدي.
- زياد مات يا زياد.

لم يضطرّ إلى الشرح حتّى. كلنا نعرف ضمنيّاً حين نسمع اسم زياد، أنّ الكلام هو عن زياد الرحباني. كل زيادات جيلي سُمّوا تيمّنًا بزياد الرحباني. وقبله لم يكن هناك من زيادات.
لم يُسمّ أحدٌ زياد على اسم جدّه، ولكن جيلنا سيفعلها.

أغلقت الخطّ مع أبي وهو يبكي. تسمّرت في مكاني حتّى دخلت جنى.
- جنى، مات زياد.
- شو؟ زياد زياد؟
- إيه
- كيف…؟ انتحر؟ بليز لأ
- ما بعتقد. مش حاطين شي.

مات زياد يا جنى. لا، لست قادراً على استيعاب الخبر. زياد ميتًا؟
إشاعة طبعًا. لا يمكن للموت أن يتمكّن منه. فهو يعرف خبايا هذا العالم ونيكاته. لا يمكن. حاولتُ حبس دموعي عسى أن أُكذّب الخبر، ولكن عبث. فتحتُ موقعاً للخبر السريع ورأيتُ الخبر مجدّدًا:
«الموت يغيّب الموسيقي زياد الرحباني. نجل فيروز وعاصي».
«الموت يخطف زياد الرحباني».

جلسَت جنى جنبي وبدأنا بالبكاء الصامت.
مات أخي الكبير، أبي الصغير، سميّي ، زياد، أبو الزوز، أبو الزيز، البوصلة، المرجع، الأساس، القاعدة، الشواذ عنها، الصح والخطأ، المضحك والمبكي، المعجزة، الحشاش الأوعى بيننا، السكّري، الفكري، المجادل الأول، الهارب، وملك السّاحة اللبنانية.
وين رحت؟

رَنّ جرس الباب وفتحناه بتردّدٍ وبطءٍ، وطلّ كمال شاحب الوجه.
- عرفت شو صار؟
- عن زياد؟
- زياد؟
- إيه؟
- شو؟
- لا لا، عن مجد؟
- مجد؟
فوت فوت.

مجد هو جارنا الخامس. نلتقي به عند الخروج والدخول، ولكن لم نتكلّم يومًا عنه أو معه. لم يخرج معنا يوم شممنا الرائحة في البهو. جلسَ كمال وسحب جوّاله.
- ركّبت كاميرا مبارح. ليك.
البهو فارغ. يخرج مجد من شقّته وينظر حوله. يعود إلى شقّته، ثم يظهر من جديد بحنجور عطر أو ما يشبهه، ويمسح نقاطًا منه على باب شقتنا.
- ليك هون
 يقف مجد أمام الكاميرا وينظر إليها لنحو 10 ثوانٍ، مبتسماً، وينسحب نحو المصعد.
- ليك أخو الشرموطة… لكان انحلّت. الريحة منه.
- أيه وبس تطلّع بكاميرتي، هيدا مش تهديد؟
- تهديد شو يا زلمة؟ هيدا أكيد بو شي.
- تعا نروح ندق عليه.
وقفت ونسيت زياد.
جاري خرّاب البيوت.
بقيَت جنى في البيت وطرقنا بابه. لم يُجب، فطرقنا ثانية.
- جاي جاي.
فتح الباب بعينين مغرورقتَين بالدموع.
- خير شباب، شو في؟
وشرق مخاطه.
- شو صاير معك يا زلمة؟
- شو شو صاير؟ما وصلك الخبر؟
- عن زياد؟
 فقاطعني كمال:
- شو بو زياد؟ مين زياد؟ الرحباني؟
- إيه.
- مات؟
- إيه.
- شو؟؟
- فوتو تفضلوا.
دخلنا بيته وكان بيتًا عاديًّا. لا يوجد هناك أي إشارة إلى أنّه مؤذٍ أو مهووس أو أي شيء من هذا القبيل. جار عادي. أقعدَنا في الصالون وذهب نحو المطبخ.
- بدكن قهوة؟ شي؟
- لا جار ما بيأثّر. جايين نحكي كلمة بس.
- شَفّة أو بدينة؟
- تعا مش ضروري.
- طيب، شَفّة لكان. يا زلمة، مين كان بيقول زياد؟
عاد إلينا مع صينية قهوة وجوز ومشمش مجفف.
- ما تواخذونا جيران، بس أنا ما بستقبل حدا إجمالاً. خبروني شو القصة؟
نظرتُ نحو كمال، فهزّ رأسه إيجابًا، فبدأت:
- في ريحة الها فترة عم تطلع ببيت الدرج. بالتحديد حد بيتي وبيت كمال، وميلة الشمال يعني. وميلتك ما في شي.
- إيه
- إيه، فركّبنا كاميرا، وشفناك مبارح شو عم تعمل.
- هاها، لكن خلص، خلص الضرب. ياريت ما حطيتوا كاميرا هاها
- شو؟ أي ضرب؟
- رفيقك… فريد؟
- فريد؟
- لك إيه تبع قهوة الريش. قال دايمًا بتعمل فيه ضروبة وبده يردّلك ياها. قال لي خود الحنجور ورشّ منه هههه

الصدمة. فريد… أيلاعبني أم يحاول تطييري من الشقّة؟ ماذا أخبَره فريد عني أيضًا؟ سألته، فقال: ليس بالكثير. أخبَرَه فريد أنني بصدد نقل شقّتي، وبعد إصراري على أن يخبرني لالمزيد، اشتلَق مجد وسألني عمّا إذا كنّا أصدقاء بالفعل. نفيت الموضوع واستغربنا ثلاثتنا بصمت.
- يعني بدّه يطيّرك من البناية شكله.
- ايه بس ليش؟
وقفنا ببطءٍ وغادرنا شقّة مجد بعد أن اعتذر بصدق لم أشهد مثله في حياتي.
- والله قنعني انكن رفقة وضيّفني قهوة وفرجاني صور مصوّرها عندك بالقهوة انو هو دوّيم… ما كنت عارف انو…انو انتو مش أصحاب…والله قنعني… عنجد سوري زياد ما تواخذني… أخدني بالحيا وقلت أنا هيك بصير أصحاب معكن بركي… بترجعو بكرا بتشربو قهوة؟ بليز تعو.
- خير جار خير.

انسحبنا نحو شقّتي لأجد جنى مع ورقة من البلديّة ترجو منّا دفع مستحقّات الشقة المتراكمة قبل نهاية الشهر تحت طائلة التغريم. أي مستحقّات هذه؟ ندفع سنويّاً كل فواتيرنا…
- شو صار معكن عند مجد؟

أخبرتها بما حصل وأنا أقرأ الورقة.
يعني بدّو ايّانا برّات البناية وبرّات القهوة فريد؟ شو هالأكل الخرا هيدا؟ أنا نازلة عليه.

سلسلة

الزاوية

شاي تقيل وقرفة. فرنش برس. تركي. دبل اسبريسو. لاتيه. شاي أخضر. أميركاني.
سبعة زبائن كلَّ صباح. أتعرّف عليهم يوماً بعد يوم، طلباً تلو طلبٍ، وموقفاً تلو موقفٍ.
هذه قصص «الزاوية»، يوميات مقهى ما زال قيد الافتتاح.

5: ليش هوّ مش نحن؟ | فكشن
4: مصمّم عقاري | فكشن
3: بطل السلم وبطل الحرب | فكشن
6: قهوة الريش | فكشن
1: بوتين اله مصلحة | فكشن
2: ممنوع التكلّم بالسياسة | فكشن
9: بسين في زمن النووي | فكشن
8: زياد يحسم: «يا راسي يا راسه» | فكشن
10: حين أصابَ السهمُ قلبي لم أمُت لكنّي متُّ حين رأيتُ مَن رماه | فكشن
7: جنى وأنا | فكشن
11: ريحة حشيش | فكشن
13: ملك الحي | فكشن
16: بالشمع الأحمر | فكشن
15: رحلتي من «قهوة الزاوية» إلى «بار الزاوية» | فكشن
14: كلّه أندر كونترول | فكشن

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً