قضية الأسبوع دولة حزب الله
ميغافون ㅤ

عن حصريّة السلاح

خطابان يكابران على الواقع

9 آب 2025

السلاح، بعد الحرب

أقرّت الحكومة اللبنانية هذا الأسبوع مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، بعد عقود من إضفاء الشرعية على سلاح حزب الله بطرق مختلفة، ومن تبنٍّ كاملٍ لربط السلاح بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». يأتي هذا القرار ليكرّس «نصّ اتفاق الطائف» ومبدأ «بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية»، على عكس زعم أمين عام حزب الله، وإن كان يعاكس ممارسات «جمهوريات الطائف» التي شرعنت حتى الأسبوع الفائت هذا السلاح. فيمكن لحزب الله اعتبار هذا القرار «غيمة ‏صيف وتمرّ إن شاء الله»، غير أنّ ذلك لا ينفي أنّ القرار يفصل بين مرحلتين في تاريخ البلاد المعاصر.

لكنّ القرار لم يأتِ نتيجة هفوة رسمية أو مجرّد ضغط خارجي. فمساره طويل، عمره من عمر هيمنة حزب الله على البلاد واستعمال هذا السلاح داخليًا أو إقليميًا، ما أدّى إلى فقدان حزب الله شرعيات المقاومة المختلفة، وعزله داخليًا، وذلك قبل خسارته في حربٍ أظهرتْ فقدان أيّ «توازن رعب» مع إسرائيل. ومع فقدان «السلاح» لطرق إمداداته وغطائه الداخلي وداعمه الإقليمي، انتهت «منظومة السلاح» في الواقع، ما سمح للحكومة باتّخاذ هذا القرار. وهذا الواقع قبِلَ به حتى حزب الله، وإن كان على مضض، كما ظهر بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية أو تعيين رئيس للحكومة أو الموافقة على بيان وزاري يلحظ مبدأ «حصر السلاح». أو وربّما، وهذا الأهمّ، موافقته على اتفاقية إنهاء الحرب، التي كرّست هزيمته. 

يمكن المكابرة على قرار الحكومة حصرَ السلاح، لكنّ القرار يؤكّد واقعًا جديدًا انتهت فيه مركزية «منظومة السلاح»، لتبدأ مرحلة انتقالية جديدة. 


خطابان في وجه الواقع

قبِل حزب الله بهذا الواقع لكنّه ما زال يتمسّك بخطابات ما قبل الهزيمة. فواجه القرار بانسحابات وزارية وتحرّكات ليلية وبيانات استنكار، تؤكّد تمسّكه بالسلاح وتعتبر القرار كأنّه غير موجود. لكنّه لم يجب عن أسئلة هزيمته العسكرية وعزلته السياسية، وكأنّ الواقع لا يفرض عليه نقدًا ذاتيًا حيال مفهوم الردع والدفاع عن لبنان وإعادة تموضع سياسي ومصارحة جريئة مع جمهوره والشعب اللبناني بعد كل ما جرى. بدل هذا، فضّل الرضوخ المتملمِل للواقع والمكابرة الكلامية عليه.

في المقابل، ما زال خصوم حزب الله ينظرون إلى ما حصل كمجرّد مناسبة لتصفية حسابات داخلية، وإن كان ذلك على حساب البلاد. فالتهليل للقرار من دون لحظ أنّه ناتج عن هزيمة مع العدو الإسرائيلي وعن إملاءات خارجية لا تضمن أمن لبنان وعن ضغوط مادية على شريحة كبيرة من اللبنانيين الممنوعين من إعادة إعمار منازلهم وقراهم وحيواتهم، يعمّق الشرخ في البلاد ويؤكّد أنه بالنسبة للبعض، ما مِن خطر إلّا من الداخل، ولا داعي حتى للتوقف عند الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية.

ما زالت القوى السياسية تقارب المرحلة الانتقالية الجديدة كمجرّد تكرار لسجالات الماضي، رافضةً أيّ نقد ذاتي أو اعتراف بصعود هيمنة إسرائيلية جديدة.


موقف رسميّ فوق الواقع

أمام الانقسام الداخلي العمودي حول مسألة السلاح وخطورة الانزلاق إلى سياسة «الشارع مقابل الشارع» من جهة، والضغط الخارجي المحمول من ضغط إسرائيل العسكري، ليس أمام الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية مجال كبير للتحرّك أو أوراق تفاوضية يمكن من خلالها المراوغة. فالموقف الرسمي بات أشبه بميزان القوى المتصارعة، يميل حسب الضغوط. وباتت الضغوط اليوم تفرض القبول بالورقة الأميركية، ما فسّر الاستعجال في إصدار قرار، يدرك الجميع أنّ تطبيقه في آخر المطاف يحتاج إلى تفاوض مع حزب الله، إن لم نُرد تحويله إلى فتيل انفجار داخلي. 

ليس للموقف الرسمي الكثير ليفعله في ظل التفاوض بين لاعبين غير معنيين به، لكنّ هذا لا يعفيه من وضع خطة طريق للدولة اللبنانية، على الأقلّ كمعيار سياسي. 


أبعد من حصر السلاح

مبدأ حصر السلاح بيد الدولة ليس نهاية مسار، بل بداية مسار في السياسة، يتطلّب مواجهة أسئلة، بقيت معلّقة لسنوات في انتظار إقرار هذا المبدأ. وهذه المسائل التي تشكّل فحوى المسار الانتقالي الذي أطلقه القرار الحكومي الأخير، يتوافق على تجاهلها الخطابان المتخاصمان في تمسّكهما بالرفض للواقع السياسي. 

ثغرات العرض الأميركي والمنطق التفاوضي الرسمي
هناك ثغرات عديدة في الورقة المقدّمة من المبعوث الأميركي، مفادها أنّ لا ضمانات جديّة مقدّمة للبنان، إن طبّق إملاءاتها. هذه «الثغرات» ليست هفوة، بل ترجمة لواقع تفاوضي يميل لصالح إسرائيل. وهذا لعددٍ من الأسباب، من بينها التفوق العسكري الإسرائيلي، والدعم الإقليمي والدولي التي تحظى به في صراعها مع حزب الله. لكنّ سبب هذا الميل لصالح إسرائيل يعود أيضًا إلى ضعف الموقع اللبناني، المقسوم داخليًا، والذي يحوّل الحكومة إلى مجرّد راعٍ لتوازنات داخلية أكبر منها. فالدخول في مسار انتقالي وتفاوضي يتطلب البحث بموازين القوى والأوراق التفاوضية التي يملكها لبنان ودور الحكومة في هذا المسار. لكن حتى الآن، ما زال لبنان، الرسمي والسياسي، يتعاطى وكأنّ لا كلمة له أو دور في عملية التفاوض القائمة.

ثمن التفاوض والوعود الإقليمية الفارغة
لا يُفاوض لبنان انطلاقًا من موازين قوى، وإن كانت ليست لمصلحته، بل انطلاقًا من وعود اقتصادية إقليمية وضمانات أمنية دوليّة. فبات مرغمًا بأن يسلّم للشروط المفروضة، بلا أي ضمانة بأنّه «سيقبض» بالمقابل، أو أنّ سيادته وأمنه سيتمّ ضمانهما من قبل راعي الاتفاق الدولي. ربّما كان هذا الواقع نتيجة الهزيمة العسكرية والانقسام الداخلي. لكن حتى هذا الواقع يتطلّب بعض الضمانات، على الأقلّ لإقناع حزب الله وجمهوره بالقبول به. ثمن الهزائم المتتالية في لبنان، وطبيعة نظامه السياسي والاقتصادي، حوّلا لبنان إلى مجرّد متلقى لـ«خيرات» الرعاة الإقليميين. لكنّ التفاوض الحالي يتطلب ضمانات مدعومة بأفعال، لاقناع من بات من دون منزل أو قرية بأنّ هناك دولة تحمي مواطنها، ولا تصدر مجرّد تمنّيات.  

العلاقة بين الطائفة والسلاح
هناك وجهان لمسألة حصر السلاح بيد الدولة، واحد خارجي مرتبط بالحرب مع إسرائيل والأدوار الإقليمية، وآخر داخلي مرتبط بعلاقة الطوائف ببعضها بعضاً. الوجه الأول يكاد ينتهي اليوم، مع المسار التفاوضي، لكنّ الثاني، سيبقى، بعد ذهاب المبعوث الأميركي، ليطارد الداخل اللبناني. فقد ارتبطت «منظومة السلاح» تاريخياً بصعود الطائفة الشيعية في نظام لبناني كان قد كرّس حرمانها، وصولًا في بعض الأحيان إلى هيمنة مذهبية جديدة. التفاوض على السلاح هو تفاوض على العلاقة مع الطائفة الشيعية ودورها الداخلي الذي لا يمكن تجاهله أو المكابرة عليه. وقد بات هذا أكثر إلحاحًا اليوم بعد أحداث سوريا الأخيرة، وإعادة تموضع الأقليّات إقليميًا. 


حصر السلاح بيد الدولة ليس نهاية مسار وحسب، بل بداية مسار انتقالي جديد، يتطلب مواجهة الأسئلة السياسية التي يفرضها. وإن كنّا قد وصلنا إلى هذا الحدّ من التدهور جرّاء مكابرة البعض، فليس محتومًا علينا أن نعيد تكرار أخطاء الماضي بالمرحلة القادمة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً