35 ٪
يشكّل هذا الرقم نسبة الأشخاص الذين لا يودّون المشاركة في الانتخابات القادمة، حسب دراسة قامت بها مؤسسة كونراد اديناور في أواخر عام 2021.
قد يكون الرقم غير كافٍ لاستنتاج نية المقاطعة عند أكثرية الناس، أو قد تكون العيّنة غير معبّرة عن آراء شعب بأكمله. لكنّ قلّة الحماسة تجاه الانتخابات القادمة لا تحتاج إلى الكثير من الأبحاث. أقل من شهرين تفصلنا عنها، وفي أكثر المراحل حساسية في تاريخ البلاد، والحماسة تجاهها شبه معدومة، باستثناء حماسة محترفي السياسة، أكانوا من أحزاب السلطة أو معارضيها.
وكيف على الوضع أن يكون غير ذلك؟ ففي أحسن الأحوال، يُقال لنا إنّ الانتخابات محطّة في مسيرة طويلة من التغيير، لن تغيّر واقعنا ومآسيه. فلماذا الحماسة إن لم تكن هناك إمكانية لأيّ تغيير فعلي سينتج عن هذا الاستحقاق؟
اليأس الواقعي والتفاؤل الساذج
يتسرّع محترفو السياسة وفاعلو الخير في المؤسسات الدولية إلى تفسير هذا الرقم كإشارة إلى يأس، يجب مداواته بجرعات من التفاؤل الحذر والحماسة المفتعلة وأخلاقيات الصمود.
لكنّ هذا اليأس قد يكون أكثر سياسيةً وواقعيةً من دعوات المشاركة والمواجهة والتنظيم ورصّ الصفوف. فهو يأس ينطلق من قراءة واقعية للنتائج المحتملة للانتخابات، وهي أنّ السلطة التشريعية ستبقى في يد أحزاب النظام، وهذا إذا ما اعتبرنا أن السلطة الفعلية هي في يد مجلس النواب.
فإذا كان هذا الرقم إشارةً لإدانة ما، فإنّه إدانة للمعارضة المنظّمة أكثر ممّا للنظام، معارضة فشلت حتى الآن بتقديم خطاب سياسي يمكن أن يواجه هذه القراءة الواقعية للانتخابات. وهو إدانة لآخر وهم عن إمكانية التغيير من داخل مؤسسات الدولة، وهو قد يكون أدقّ تعريف لهذه المعارضة المنظّمة.
المقاطعة
ربّما كانت هذه الإدانة هي النتيجة المنطقية للتناقض في خطاب هذه المعارضة المنظّمة: رفض تامّ لهذا النظام مع رضوخ لأدوات مواجهة خجولة، كالمشاركة في الانتخابات.
كان من الممكن لقرار المقاطعة أنّ يشكّل مقاربةً أكثر واقعية للانتخابات القادمة، قرار يتماشى مع قلّة الحماسة المعمّمة والطبيعية تجاه هذا الاستحقاق. وربّما أيضًا، مقاربة أكثر فعالية تضيف إلى عزلة النظام السياسي، عزلةً إضافية شرعية. كان من الممكن لخيار المقاطعة أن يترجم شعارات الثورة، ويشكّل إدانة لنظام وليس لأفراد.
وعلى الأقلّ، كان من الممكن تفادي خطر المساهمة في تجديد شرعية النظام من خلال المشاركة في انتخاباته التي نعرف أنّه سيستعملها لاحقًا لإنهاء حالة الاعتراض ضده.
كان من الممكن…
من السهل تخيّل ما كان من الممكن فعله، أو تخيّل صوابية إمكانيات لم تعد موجودة. لو اتخذ قرار المقاطعة، لربّما كتبتُ مقالًا معاكسًا عن وعود المشاركة ومن السهل أيضًا تخيّل دعوة للمقاطعة تنتهي يوم الانتخابات وتُبقي الأمور على ما كانت عليه. فلم نعد في لحظة معاينة الخيارات.
لكنّ الأهمّ، أنّ هناك حجّة واحدة مقنعة تجاه المشاركة، وهي حالة الغضب العارم الذي يريد أن «يعاقب»، بأي طريقة، الممثلين السياسيين، المسؤولين عن الانهيار الحالي. عقاب قد لا يترجم بتغيرات جذرية على صعيد القوى الممثّلة بالمجلس القادم، ولكنّه قد يقدّم، لبضعة أسابيع، مشهد سياسيين يجولون من بيت إلى آخر مع وعودهم الفارغة لكي يقنعوا بعض الناخبين والناخبات بالتصويت لهم.
فالانتخابات ليست مجرّد عملية لاختيار ممثّلين سياسيين بجو من العقلانية المواطنية. هي أيضًا لحظة تقلب بها الديموقراطية التمثيلية التراتبية الاجتماعية، رأسًا على عقب، وتقدّم للناخبين والناخبات حق التعالي على ممثليهم/ن.
قد يدوم هذا الكرنڤال لبضعة أسابيع فقط، ولكنّ فيه انتقاماً، ربّما أكثر من الفوز ببضعة مقاعد.
النادي المغلق لممثّلي الثورة
تكمن جدوى الانتخابات القادمة في هذه المشاركة السياسية، وليس بالضرورة في نتائجها.
لكن من غير الواضح بعد ما إذا كانت المعارك الانتخابية المقبلة ستقدّم مناسبةً لتلك المشاركة. فالرغبة في المقاطعة تشكل اليوم طريقًا معاكسًا عن ذاك الذي سلكه زياد ماجد في مقالته الأخيرة، والذي اعتبر أنّ خروج المقاطعة عن أولويّات مجموعات الثورة يتطلب منّا أوسع مشاركة لدعم مرشّحات ومرشّحين منبثقين من المجموعات السياسية الحديثة التشكيل والجذرية الخطاب. الرغبة الدفينة للمقاطعة اليوم تنبثق تمامًا من أداء مجموعات الثورة حتى اليوم.
فالرغبة، وهي مجرّد رغبة اليوم، هي بمحاسبة مجموعات سياسية، باتت خارج المحاسبة بحجّة أولويّات أخرى، كوحدة الثورة وضرورة المواجهة وحسابات انتخابية، مجموعات بات لها أشهر من التفاوض ضمن نادٍ مغلق على تقاسم مقاعد ولوائح، ولم تنجح بعد باستنهاض رأيًا عامًا، لأنّها لم تتوجّه له أصلًا.
وربّما كانت على حق. فأكثرية الناس ستصوت بالضدّ، غير مبالية بالبديل. ما يعني أنّه بالنسبة لكثير من مرشحي المعارضة، المعركة الأساسية هي في تشكيل اللوائح ضمن هذا النادي. أما بعد ذلك، فهناك غضب الناس…
أمّا بعد…
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبالتالي سنعمل على تهديم ما تبقّى من رموز لهذه السلطة. سوف نشتم «نواب النترات»، ونفضح «نواب السلطة»، ونكشف علاقاتهم بدوائر المال والفاسد والقتل.
وسنقترع بالضدّ، وسنستعمل كل البهلوانيات اللفظية التي تعلمناها على مدى سنوات الخيارات السياسية الحرجة، لكي نصل إلى هذا اليوم اللعين في 15 أيّار: انتخابات لسوء الحظ… انتخابات من اجل الانتخابات وردّ الزميل سمير سكيني على البهلوانية اللفظية… انتخابات الفرصة غير الأخيرة… انتخابات ما بعد الانتخابات… فللمعارضة أو المعارضات، حاولوا أن لا تبهدلونا، هذا كل ما هو مطلوب. سنقترع ضدهم بكل الأحوال، ومعكم بطبيعة الحال. بهلوانية لفظية أخرى
هذا حتى 15 أيّار…
لكن بعد الفرز، بعد خفوت ضجيج الانتخابات، حديث آخر، ملف آخر ينفتح.