تعليق طوفان الأقصى
ميغافون ㅤ

غزّة على أبواب البانتيون

24 شباط 2024

بعد نحو أربعة أشهر على دعوته لتشكيل تحالف دولي ضدّ حركة حماس، احتفى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومعه فرنسا، بدخول رفات المناضل والشاعر ميساك مانوشيان وزوجته المناضلة ميليني سوكميان إلى «مقبرة العظماء»، في باريس يوم 21 شباط 2024، تحديداً بسبب دورهما كقائد ومناضلة في الكفاح المسلّح ضدّ النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

الملصق الأحمر 

مانوشيان وسوكميان هما ناجيان أرمنيان من الإبادة العثمانية، مكافحان في الحركة العمّالية والمصانع الباريسية، وبطلان شيوعيّان من المقاومة الفرنسية ضدّ الاحتلال الألماني. بعد ثمانين عاماً على إعدام النازيّين مانوشيان رمياً بالرصاص، مع 22 من رفاقه، كرّمته فرنسا بإدخاله إلى «البانتيون»، ليصبح أوّل حزبيّ شيوعيّ، أوّل غير فرنسي، أوّل مهاجر، يدخل هذه المقبرة منذ اعتمادها لـ«عظماء» فرنسا قبل 230 عاماً.

ترأس ميساك مانوشيان نشراتٍ وصحفاً عمّالية ومناهضة للفاشيّة منذ بروزها. ومع الحرب وسقوط باريس، تزعّم فرقة العمّال المهاجرين المنخرطين في المقاومة. قاد ونفّذ 56 هجوماً، قتل فيها 150 شخصاً وجرح 600 آخرين، من بينهم عسكر نازيّون، وعملاء، ومتعاونون، ومدنيّون أبرياء. تفجير سكك حديد، زرع عبوات في مناطق سكنيّة، تدمير محالّ تجارية، اشتباكات مع المحتلّ، حوّلت مانوشيان إلى بطل ضدّ الاحتلال والنازية يُعترف به اليوم بطلاً فرنسياً، وإن كانت الدولة الفرنسية قد رفضت طلبه الحصول على الجنسية مرّتين قبل الحرب. بعد إعدامه، حوّل النازيّون مجموعته إلى «ملصق أحمر»، ودانوا فيه المقاومين كـ«جيش للجريمة». ثم تحوّل اسم الملصق نفسه إلى أغنية غنّاها الشيوعي ليو فيرّيه وكتبها الشيوعي لويس أراغون مقتبساً كلماتها من آخر رسالة كتبها مانوشيان إلى زوجته، قبل إعدامه بساعتين. 

حسابات ماكرون

«هل بهذه الطريقة يحلُم الرجال؟ نعم، وسلاحُهم بِيَدِهم.
هل هكذا يعيش الرجال؟ نعم، على حساب الاختيار المتعمَّد والحازِم والمتكرِّر للحريّة.
هل هكذا يموت الرجال؟ نعم، على الأقلّ الرجال الأحرار».

هذه مقتطفات من كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاحتفال الرسمي لإدخال مانوشيان إلى «البانتيون». وفي كلمة الإليزيه الرعائية للمناسبة، تغنى ماكرون بسِمات ميساك مانوشيان. بـ«شجاعته» و«بطلوته الهادئة» وتجسيده لـ«القيم العالمية للحريّة والمساواة والأخوّة التي دافع باسمها عن الجمهورية». حيّا شيوعيته «المثالية». حيّا نموذج «رجل» مقاوم وطامع بالحرية، غير آبه بالثمن أو المصير. 

وراء هذا المديح الماكروني، حسابات ماكرونيّة سياسية لا تليق بالمناسبة ولا بالبطل المحتفى به. فماكرون يريد أن يخاطب اليسار الفرنسي المعارض بعد أن وضع نفسه طويلاً في قبضة اليمين. لكنّ المفارقة أنّ تكريم مانوشيان سبقه إمرار قانون الهجرة الجديد الذي يحرم المهاجرين من حقوق بديهية كالطبابة والاستفادة من التقديمات الاجتماعية، وخطر الترحيل في حال ارتكابهم «أي جنحة». فكان قانون ماكرون واليمين الفرنسي، ليشمل مانوشيان وسواه من المناضلين الفرنسيين الذين ساهموا في تحرير فرنسا من النازيّة. أمّا «الرجال الأحرار» الذين يحلمون و«سلاحهم بيدهم»، كما يقول ماكرون، فيصبحون حين يتعلّق الأمر بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، «إرهابيّين» ينبغي إنشاء تحالف دوليّ للقضاء عليهم. 

«غيتو وارسو» الجديد

حيّا ماكرون في مانوشيان كلّ ما تقدّمه المقاومة في فلسطين منذ النكبة. لم يثنِه عن التكريم سقوط ضحايا مدنيّين خلال عمليّة تحرير أوروبا من النازيّة، ومانشويان لم يكن ليفاخر أصلاً بقتل المدنيّين. لم يثنِه عن التكريم كلّ التاريخ الدمويّ الذي رافق الانتصار على النازية. لكنّ ماكرون يذهب أبعد من ذلك. فحين يُباد الشعب الفلسطينيّ في غزّة إبادةً مشابهةً للإبادة التي عاشها يهود أوروبا على يد معاداة الساميّة، تصبح المقاومة الفلسطينيّة نفسها فعلاً معادياً للساميّة، وتصبح عمليّة طوفان الأقصى «أكبر مجزرة معادية للساميّة»، وفق التعبير الماكرونيّ، لنجاحها في خرق أسوار «غيتو وارسو» الجديد الذي يحمل اسم غزّة.

منذ النكبة، خُيِّر الفلسطينيون بين أمرَين. أن يكونوا ضحيةً قتيلةً نازحةً مشرّدةً وجائعة، فيستحقّون عندها تعاطف ماكرونيّي هذا العالم وشاحنات مساعداتهم الإنسانيّة، أو أن يكونوا مقاومةً ورافضين للاحتلال، فيصبحون «جيشاً للجريمة» بنظر أوروبا المحرّرة، تماماً كما كان مانوشيان ورفاقه الـ22 «جيشاً للجريمة» بنظر النازيّة. 

لا يمكن لمن ينصت في هذه الأثناء، ألا يسمع غناء ليو فيرّيه:

كانوا ثلاثةً وعشرين حين أزهرت البنادق 
ثلاثة وعشرون وهبوا قلوبهم قبل أوانها 
ثلاثة وعشرون غريباً لكن أيضاً إخوة لنا 
ثلاثة وعشرون يعشقون الحياة حتى الموت 
ثلاثة وعشرون يصرخون فلسطين وهم يسقطون

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا