تعليق مصر
رشا عزب

قانون الإيجارات في مصر

الفتنة الأهليّة أم العودة للشوارع؟

17 تموز 2025

سألتني سيّدةٌ بحدّة: هل ينظرون إلينا باعتبارنا سجناء، نعيش في معسكرات لمدّة من الوقت ثمّ يخرجوننا منها؟ إنّها بيوتنا وحياتنا والناس الذين عشنا بجوارهم وتقاسمنا الطيب والشرير، كيف لهم أن يطردوا ملايين الناس من بيوتهم تحت أيّ سبب؟ 
شكرتُها في ذهني عندما لخّصت الوضع بهذا التشبيه، وتساءلت كما الملايين كيف يجرؤ هذا النظام على فعل كل هذه الأهوال بالمصريين، تحويل البلد إلى معسكرات منفصلة ومعزولة، بلا جذور، بلا سياق اجتماعي، بلا تأثير أو دور؟
فكّرتُ هل قالوا له، قبل إقرار قانون الإيجارات القديمة، إنّ سبب ثورة يناير التي يكرهها ويخشاها، كالكابوس، خرجت بشكل أساسيّ من الأحياء الشعبية التي كانت تعيش فيها الطبقة الوسطى سابقاً، وباتت لمحدودي الدخل حالياً؟ أم قالوا له إنّ السبب في سكان العشوائيات الذين أفقرهم نظام مبارك وجعل من حياتهم جحيماً مقيماً، مستعدّون دائماً للفناء من أجل لحظة انتصار، حتى ولو كانت قصيرة جداً، فحياتهم تشبه صفحة من هذا الفناء، ولا مانع من المغامرة؟
في كلّ الأحوال، حينما تقوم ساعة هذا الشعب، لن تحميهم المدن المسوّرة، ولا الأبراج الأيقونية، ولا حتى الصحاري الواسعة التي يؤسس فيها عاصمته الجديدة. 


لا أعرف إن كانت الأجهزة الأمنية تحذّر النظام بما يكفي من تبعات قانون الإيجار الذي سوف يدفع الناس للشارع كملاذ أخير. فمن الحماقة أن يتوقّع النظام المصري أن يمرّ قانون الإيجار الجديد مثل كل القوانين التي مرّروها بليل في مجلس النواب الذي لا يعرف عنه المصريون سوى أنه بوابة لتمرير الضرائب الجائرة وكلّ القوانين المعادية للشعب.

فجمهور الثورة الحقيقي ليس كما روّجوا له. فهي لم تكن ثورة الطبقة الوسطى وشباب الإنترنت كما قيل، بل كانت ثورة تجذب مَن في القاع وليس مَن في السطح، والفعل الفدائي الذي رأيناه في يوميات الثورة المصرية، لم يكن سوى تعبير عن المراوحة بين حياة لا تشبه الحياة وموت يشبه الاسطورة. فكان الخيار الثاني الذي أسقط مبارك في أيام. 

في بحثي الخاص عن الأطفال المشاركين في الثورة، الذي صدر بالتعاون مع مؤسّسة الذاكرة والمعرفة قبل ثلاثة أعوام، بيّنتُ أنّ أغلب الأطفال المقبوض عليهم في أحداث محمد محمود في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011، هم من خارج القاهرة ومن الأحياء المهمشة في المدينة أو على أطراف العاصمة، بالإضافة إلى عدد كبير من أطفال المحافظات الفقيرة الذين جاء أغلبهم إلى ميدان التحرير، لأول مرة، ومنهم من مات ومنهم من عاش وصار لديه قصة عن حقيقة ما جرى.


والآن، ها هو نظام الحكم المفلس المستدين، المعتمد على تجارة المقاولات وإحكام السيطرة على كل موارد المواطنين باعتبارها موارد الدولة، يريد حفنة جديدة من المليارات عبر إخلاء عدد كبير من الوحدات السكنية في وسط البلد والأحياء القديمة ذات القيمة المرتفعة في مصر الجديدة والزمالك والمنيل، بالإضافة إلى عدد من الوحدات الهائلة في عواصم المحافظات. ثروة عقارية في انتظار الدولة المفلسة.

إقرار قانون جديد يمسّ حياة الملايين، لا يمكن أن يستبعد أصحاب المصلحة. إقرار قانون ينظم حركة المجتمع لا يمكن أن يتمّ دون نقاش مجتمعي حقيقي. أضف إلى ذلك أنّ القانون خرج قبل أن تعلن الحكومة عن أرقام نهائية لملايين المتضرّرين من هذا القانون. أمّا التقدير المعلن، وفق آخر إحصائية، فيشمل قرابة 3 ملايين أسرة، وإن احتسبنا، كحدّ أدنى، أنّ الأسرة تضمّ ثلاثة أفراد، فنحن نتحدث عن 9 ملايين شخص يتعرّضون للتهديد المفزع. 

لقد تدخلت الدولة وانحازت بشكل سافر إلى الملّاكين، لكونها واحدة من هؤلاء الملاكين الذين يريدون رمي الناس في الشارع. وعندما قرر عدد كبير من المستأجرين تنظيم صفوفهم وتشكيل فريق دفاع من القانونيّين للطعن بالقانون الجديد الذي يشوبه عطبٌ دستوريّ فادح، ألقت القوات الأمنية القبض على محامي المستأجرين، وأحيل لنيابة أمن الدولة بتهم إرهاب ونشر أخبار كاذبة مثل حال آلاف سجناء الرأي في البلاد. 

لم ينحَز هذا النظام يوماً لصالح الأغلبية المسحوقة، بل استخدمها كبقرة للحلب فقط من أجل تسديد ديونه التي تتمتّع بمزاياها نسبة الـ2% من المجتمع، من طبقة الحكم. أمّا نحن، فعلينا الدفع دون نقاش، تحت تهديد السلاح. لكن السلاح الذي سوف يملكه الناس يوماً، سيفاجئنا جميعاً. 

ففي السنوات الماضية، دفع مُلّاك البيوت ثمناً غالياً لتقاعس الحكومة عن دورها لسنوات، حين أقرت الدولة رسوماً للتصالح على مخالفات البناء، بعد أن تركتهم الدولة إيّاها يبنون منازل عشوائية دون رقابة أو معايير هندسية. وما جرى هو أنّ الدولة حصلت على 17 مليار جنيه من أموال التصالح، مقابل الصمت على البناء العشوائي دون النظر في المواصفات الهندسية لهذه المباني. بمعنى آخر، تمّت قونَنة العشوائيات.

القانون الجديد الذي أُقرّ قبل أيّام قليلة، يأتي في لحظة تعثّرٌ اقتصادي لم تشهده مصر في تاريخها الحديث من حيث مستويات التضخم وخصخصة جزء من الخدمات الطبية المجانية. والسؤال: ماذا سيتبقى للناس بعد كل هذا النهب والتجويع؟ حتى الحيطان الأربعة التي تمثّل الستر للغالبية، لن تعود موجودة.


القاهرة، كمدينة، متعدّدة الطبقات والتنوّع الاجتماعي. يريدونها مدينةً للملّاك وأصحاب الشقق والعقارات. يريدون أن تتخلّى القاهرة عن شخصيتها الفريدة، لتصبح مدينة أهل المال والنفوذ فقط، لا وجود فيها للصعاليك أو الارزاقية وعمّال اليومية، أي الملايين الذين عاشوا في هامشها كمستأجرين مؤقتين. ولا أجد أكثر بجاحةً من مسؤول مصري يعلن أن المتضررين لن يناموا في الشارع ولن تسمح الدولة بهذا، وأنه خلال فترة تغيير القانون، سوف تجهّز الدولة مناطق سكنية جديدة للمتضرّرين! بالطبع، سوف تكون هذه المنازل على أطراف القاهرة أو خارجها، يريدون شحن المستأجرين القدامى الذين سوف يكون أغلبهم كبار السنّ، إلى أماكن مجهولة موحشة، تشبه المعسكرات، كأنّ البيوت مجرّد أربعة حيطان، دون جيران العمر وشوارع نعرفها، دون أي ألفة وعمار وودّ يسبق الإنسان إلى بيت يحبّه. بكلام آخر، يريدون خلع الناس من الأرض، مثل أي عملية تهجير قسريّ. 

لن يحتاج الباحثون، في العصور المقبلة، للنظر مُطوَّلاً في أسباب التهاوي الاجتماعي الجماعي لملايين المواطنين المصريين. تصريحات المسؤولين كفيلة وحدها برسم عصر جباة الضرائب ونهب الثروات المصريّة وتخزينها في يد الأجانب وبطانة الحكم المتوحشة.

ومن المؤسف أنّ الجمهورية الجديدة تتوقّع أن تنتهي كوارث القانون الجديد بعيداً عنها، وأن ينقضّ المصريّون على بعضهم بعضاً بينما تخرج الحكومة من الصراع. ففي هذه اللحظة، دبّ القلق والرعب في حياة ملايين المستأجرين، بينما الملاك يتأهبون للانقضاض على البيوت الساكنة. وربّما يعجز الملايين عن توفير سكن بديل، أو أنّ بعضهم سيرفض الفكرة من الأساس. وهنا تكمن الخطورة، في أنّ الصراع قد يأخذ منحنىً عنيفاً، يؤجّج الخلافات والفتن بين جيران عاشوا لعقود متجاورين، ويأتي هذا القانون لجعلهم في مواجهة بعضهم بعضاً. لكنّ أغلب الظنّ، وما نتمناه، هو أنّ الناس يدركون مصدر الشرور والخراب. فرغم البطش الواقع، انتشرت مبادرات بين المستأجرين لتنظيم صفوفهم، إذ تدرك الغالبية أنّ لا مفرّ من المواجهة، ولا بدّ من الدفاع عن حيواتهم وبيوتهم. ولا يزال المستأجرون يطالبون الرئيس عدم التصديق على القانون، ومراجعة بنوده قبل أن تتحوّل المنازل والبيوت والشوارع لساحات للفتنة وتهديد السلم الأهلي. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً