طبخ وزير العدل هنري خوري سمّ الإطاحة بالمحقّق العدلي القاضي طارق بيطار. وسوف يقدّم مجلس القضاء الأعلى إلى اللبنانيين هذه الطبخة بغضون أيام عبر تقديم اقتراحات بالأسماء التي يمكن أن تحلّ بديلاً لبيطار في تحقيقات جريمة انفجار مرفأ بيروت. يهدف القرار إلى أمرَين:
- إطلاق سراح الموقوفين المحسوبين على السلطة السياسية.
- النظر في الدفوع الشكلية من أجل التراجع عن الإدّعاء على مسؤولين سياسيين وأمنيين مُدّعى عليهم في الملف.
هذا بالإضافة إلى مكسب وضع بيطار على الرفّ وتهميشه وتعليق التحقيقات إلى أجلٍ غير مسمّى.
حتى لا نضَيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، لم يأتِ قرار مجلس القضاء الأعلى صدفةً.
جاء بعد مشاحنةٍ مزعومة بين رئيسه القاضي سهيل عبود ووفد من تكتّل نواب العهد، نواب سبق للقاضي طارق بيطار أن رفض استقبالهم في مكتبه طوال أشهرٍ من العمل على الملف. في المحصّلة، رضخ مجلس القضاء أخيراً للضغوط السياسية، المباشرة وغير المباشرة، السابقة والحالية، وقرّر السير في خطّة العهد وحلفائه للإطاحة بالتحقيق من خلال «قبع» القاضي.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، يمثّل قرار مجلس القضاء طعنةً في ظهر المحقق العدلي، وفي ظهر القضاء مؤسسةً ونصوصاً.
عذر «الظروف الإنسانية» الذي استخدمه وزير العدل والمجلس مردود شكلاً ومضموناً، إذ أنّ لا ظروف إنسانية أقسى من تلك التي عاشتها مئات العائلات وهي تجمَع أشلاء أبنائها لتوضيبها في صناديق الدفن. و«الظروف الإنسانية» ورقةٌ يمكن لعبها في جميع ملفات الموقوفين في السجون اللبنانية، تحديداً الموقوفين الإسلاميين الذين مضى على احتجاز بعضهم 15 عاماً من دون محاكمات. وهذا بابٌ إضافي للمقايضة.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، استرضى وزير العدل مشغّليه، ربّما للبقاء في وزارته أو لتحقيق مكاسب أخرى.
سار مجلس القضاء في هذه الطبخة بدل أن ينصرف إلى حلّ تعطيل وزير المال للتشكيلات القضائية وإعادة النصاب إلى المحاكم لصون حصانتها. فكرّس واقع السطوة السياسية على القضاء وارتضى أن يساهم فيها، في تسليفٍ مسبقٍ للسلطة السياسية يقبض ثمنها لاحقاً في تعيينات أو «ترقيات» من السلك القضائي إلى التمثيل السياسي.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، كلّ قاضٍ يرتضي بأن يكون بديلاً عن المحقق العدلي مُشارك عن سابق إصرار وتصميم بتكريس السطوة السياسية على القضاء.
هو مشاركٌ في جريمة تعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وطمس الحقيقة، إذ أنَّ مهمّته الأساسية بحسب نص طلب وزير العدل وقرار مجلس القضاء هي النظر في إخلاءات السبيل وإطلاق سراح موقوفين، مع موافقةٍ مسبقة عليها.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، القضاة الذين «انتفضوا» لواقعهم المعيشي ورواتبهم المذلّة على سعر صرف الدولار، هم الآن أمام امتحانٍ أخلاقي ومهني وشخصي.
إمّا الوقوف مع القضاء وبيطار أو الوقوف مع مصالحهم الشخصية، وهنا تقول بعض الأفكار السوداء أنّه ثمّة مقايضة يمكن أن تحصل على هذا المستوى من خلال تحسين ظروفهم مقابل رضوخهم التام لممارسات السلطة السياسية.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، نحن المعنيّون في ملف جريمة 4 آب أمام خيارَين.
أولاً، الطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة حيث أنّه سيصدر عن وزير العدل، ولا ضمانة في نتائج ذلك، خصوصاً أنّ كل المؤسسات القضائية والدستورية معيّنة سياسياً.
ثانياً، مساءلة وزير العدل هنري خوري، علماً أنّها مساءلةٌ لا جدوى لها كون الحكومة مستقيلة.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، أحكمت السلطة السياسية السطو على العدالة والحقيقة والقضاء والتحقيق هذه المرّة، ويمكن أن تأخذ مواجهة ذلك طابعاً فردياً إذا تمسّك القاضي طارق بيطار بملّفه وامتنع عن تسليمه. فتلعب النيابة العامة لعبتها حينها، وتسلّم نُسَخِها للقاضي البديل للسير في الطبخة وإحكام إعدام تحقيقات بيطار وملاحقاته للسياسيين. فيكون بيطار، مجدداً، رمزاً لمواجهة السلطة السياسية وتدخّلاتها والجرائم التي ترتكبها بحق الناس والقانون والقضاء.
حتى لا نضيّع الكثير من الجهد والوقت لتفسير ما يجري، هناك معركة متجدّدة عنوانها طارق بيطار والتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، ومضمون هذه المعركة أنّ هذا الملف هو القضاء وأنّ القضاء هو هذا الملف.