تعليق استقالات
سامر فرنجية

مَن الذي استقال؟

10 آب 2020

الشاشة مقسومة. على يمينها، صور متظاهرين ومتظاهرات يواجهون تشكيلة من القوى الأمنية وغازها المسيل للدموع. على يسارها، رجل كئيب يقرأ بيانًا بجدّية مفتعلة. من غير المفهوم ما يحاول قوله، فكلامه فضفاض وفارغ رغم جديّته. في آخر كلمته الطويلة، يعلن الرجل استقالته من منصب رئيس الحكومة. المتكلّم هو حسّان دياب، رئيس حكومة العهد، الذي اضطرّ للاستقالة بعدما فرطت حكومته إثر انفجار المرفأ. أراد الرجل الكئيب من استقالته أن تكون لحظةً مفصلية في السياسة اللبنانية. لكن حتى المذيع لم يكترث بعنفوان الرجل المستقيل. ومع انتهاء تغطية لا-حدث استقالته، عادت الشاشة إلى الحدث في الشارع، وأعلن المذيع أن الجيش نزل ليساند قوّات مكافحة الشغب...

مَن الذي استقال؟ استقال حسّان دياب، الرئيس الذي ابتزّنا بأنّه واحد منهم ولكنّه ليس منهم. فخطاب تنحّيه جاء بنكهة الـ«هم»: ممارساتهم، فسادهم، أكاذيبهم... هم المأساة، هم الفساد... هؤلاء... خطاب مجازيّ بصيغة الغائب لرئيس مجازيّ غائب. لم يختلف خطابه عن كلماته السابقة التي يمكن تلخيصها بثنائية «السلطة» و«المنصب». فرئيس الحكومة يتكلّم كأي مواطن عادي، يواجه سلطة مفروضة عليه، منصبه كرئيس لا يؤمّن له أي قدرة على التأثير. فحسّان لم يستقل، لم يكن يحكم أصلًا، كان مجرّد وجه يغطّي حالة الفراغ الذي نعيشها.

مَن الذي استقال؟ استقال حسّان دياب، وهو التكنوقراطي الذي وصل إلى أعلى منصب حلم به الكثير من الخبراء من قبله. تُشكّل استقالته نهاية «التكنوقراط» وابتزازهم السمج، ابتزاز من اعتبر، ربّما انطلاقًا من غروره، أنّه يمكن أن يُصلح النظام الذي أنتجه. ابتزاز قائم على اعتبار البعض أن شهاداتهم وتذاكيهم كافية للتعويض عن فراغهم السياسي. فاكتشاف حسّان دياب أنّ القوى التي كلّفته لم تتعاون معه ليس من فضيحة لأحد، إلّا لهذا المخلوق التكنوقراطي المغرور. وربّما كان الدرس الوحيد من هذه الاستقالة هو نهاية هذا الخيار الذي شكّل وهمًا لجيوش من الخبراء الذين أرادوا أن يبتزّونا على مدار السنوات الماضية.

مَن الذي استقال؟ استقال حسّان دياب، وهو كان الرئيس المسخ للعهد المشؤوم. انتهت حكومة العهد، ولكنّ العهد لم ينتهِ بعد. فما زال رئيسه الصُّوَريّ صامدًا في قصره، ربّما لم يدرِ بعد أن الرئيس المجازيّ لحكومته قد استقال. ما زال العهد قائمًا، وسيبقى قائمًا ما دام هناك لدى البعض حاجز يمنعه من توجيه سهام الاعتراض إلى بعبدا ورئيسها الساقط. لم تثبت هذه الاستقالة إلّا مع تحويل مركز الرئاسة الأولى إلى هدف الاستقالة التالية. فإذا كان هناك من معنى لاستقالة حسان دياب، فهو أنّها الخطوة السابقة لاستقالة ميشال عون.

مَن الذي استقال؟ استقال حسّان دياب وهو المنافس لسعد الحريري، الرئيس الذي سقط من قبله بالشارع. على الأرجح، ابتسم الحريري الذي يعتبر أن ماكرون وملياراته قادمون لإعادته كرئيس لحكومة وحدة وطنية وهمية. ابتسم الحريري، الطفل المدلّل في السياسة اللبنانية، وهو الذي يعتبر أن رئاسة الحكومة حق مكتسب له. لكننا، بعد كل معاناة الأشهر الماضية، نستحق رئيساً للحكومة لم يسقط بالشارع منذ أقلّ من سنة، رئيساً يستطيع أن يبقى بمنصبه من دون حماية مكافحة الشغب والأسلاك الشائكة. فإذا كان هناك من معنى لاستقالة حسان دياب، فهو أن لا يُتبَع بتعيين الحريري.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إخلاء مستشفى كمال عدوان بعد إحراقه
الحوثيون يستهدفون مطار بن غوريون ردّاً على قصف صنعاء
القبض على اللواء محمد كنجو الحسن
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 26/12/2024 
الاحتلال ينسحب من وادي الحجير بعد تخريب طرقاته
غارات إسرائيلية تستهدف مطار صنعاء ومنشآت نفطية باليمن