تعليق انتخابات 2022
مهدي كريّم

من العراق إلى لبنان: لا للتسويات

20 أيار 2022

ثورات تشرين وانتخاباتها

مضت ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية العراقية من دون الوصول إلى حلّ للأزمة السياسية التي تُعاني منها البلاد، حيث عجزت القوى السياسية عن تشكيل حكومة جديدة في ظل نتائج الانتخابات الأخيرة. سجّل الفريق المدعوم من إيران تراجعاً كبيراً في هذه الانتخابات لصالح تقدّم الفريق الذي يُنادي بضرورة استقلالية القرار العراقي. وهذا ما أدخل البلاد في حالة من التفاوض، لم يستطع أي من الأطراف المتصارعة حسمها حتى الآن. 

تشبه نتائج الانتخابات العراقية ما حدث في لبنان منذ بضعة أيّام، حيث شهدت تراجعاً كبيراً لحلفاء حزب الله، وتقدّماً ملحوظاً للقوى التغييرية من جهة، والأطراف المعادية لحزب الله، أي القوّات اللبنانية وحلفائها، من جهة أخرى. وتأتي الانتخابات بعد ثورتَيْ تشرين اللتين وقعتا في كلٌّ من البلدين، لكي تعمّق أوجه الشبه بينهما. 

هناك أسباب عديدة وراء هذا الشبه، من بينها التنوّع الطائفي المتواجد في كلا البلدين، والذي أنتج في العراق نظاماً سياسياً جاء كنسخة منقّحة من النظام اللبناني الذي يعتمد على الديمقراطية التوافقية كآداة للحكم، إذ يوزّع المناصب الدستورية في البلاد على الطوائف بشكل يُحافظ على توازن دقيق وهشّ فيما بينها. 

إضافةً إلى ما تقدّم، فإن التشابه الأبرز بين البلدين هو دورهما كساحة مواجهة بين المحورين المتصارعين في المنطقة. وعلى هذا الأساس، يتأثّر البلدان بأحداث المنطقة ويتفاعلان معها، سواء على صعيد التصعيد السياسي أو إيجاد الحلول الداخلية. وهذا ما جعل ارتباط المسار السياسي بينهما أمراً مفهوماً، ويمكن ملاحظته من خلال مراجعة التاريخ السياسي للبلدين منذ عام 2003. 


دروسٌ عراقيّة

من شأن هذا الارتباط أن يُرخي بظلاله على البلدين في المرحلة القادمة، خصوصاً وأنّنا نشهد في كلاهما مرحلة تكوين السلطة على المستوى التنفيذي، في ظل موازين قوى جديد أفرزتها الانتخابات النيابية. إلّا أن ما يُميّز المشهد العراقي هو رفض القوى الفائزة في الأكثرية البرلمانية الدخول إلى «جنّة السلطة» بالطريقة الاعتيادية القائمة على المحاصصة وتوزيع كعكة السلطة. هذا ما جعل الأزمة الحالية أكثر تعقيداً من سابقاتها، ودفع الأطراف المدعومة من إيران إلى تقديم التنازلات بغية الوصول الى تفاهمات مشتركة حول إنتاج سلطة الحكم الجديدة، في حين أن الطرف الآخر ما زال مصمماً على موقفه في رفض هذا النوع من التسويات.

يتمسّك الحلف الثلاثي (التيار الصدري وتحالف سيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني)، بتشكيل حكومة «أغلبية وطنية»، رافضاً تكرار تجربة الحكومات الجامعة التي تضيع فيها المسؤوليات وتكثر فيها التسويات والمحاصصات. في المقابل، يُطالب «الإطار التنسيقي» بتأليف حكومة جامعة، على شكل حكومات الوحدة الوطنية اللبنانية، يتمثّل فيها الجميع وفقاً لأحجامهم النيابية. وعلى الرغم من عدم امتلاك هذا الإطار للأكثرية القادرة على فرض إرادته، إلا أنه يملك «حق الفيتو» عبر الثلث المعطّل لانتخاب رئيس الجمهورية واستكمال الاستحقاقات الدستورية.

بالتالي، فإذا كان هناك درس من التجربة العراقية، فهو في ضرورة نبذ ورفض التسويات الهادفة إلى إعادة إنتاج السلطة، ولو بأشكال مختلفة في الشكل ومتشابهة في العمق. فقد بات واضحاً أن التجربة القائمة على هذا النوع من التسويات أودت بالبلدين إلى إفلاس حقيقي على جميع المستويات. ولولا المخزون النفطي للعراق، لكان وضعه الاقتصادي أسوأ من لبنان. لذا، وأمام كثرة الاستحقاقات المنتظرة، من انتخاب رئيس مجلس النواب وتشكيل اللجان النيابية وتشكيل الحكومة وانتخابات الرئاسة، لا بد من الانطلاق من معايير جديدة وسقف سياسيّ لا يمكن التراجع أو التنازل عنه مهما نادينا بالواقعية السياسية. وإلا فإن «تجربة التغيير» تكون قد أطلقت الرصاصة على نفسها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل ترتكب مجزرةً في منطقة البسطا
62 شهيداً في عدوان الخميس 21 تشرين الثاني 2024
غارة إسرائيلية تقتل علي علام، مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 22/11/2024
3,645 شهيداً، 15,355 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان