تعليق عمّال
علي نور الدين

من يحتسب خسائر العمّال؟

30 نيسان 2022

تركّزت الخطط الماليّة الحكوميّة التي وضعتها حكومتا حسان دياب ونجيب ميقاتي، مع كلّ تعديلاتها في ضوء المحادثات مع صندوق النقد، على التقديرات التي تُعنى بطريقة احتساب الخسائر، والمقاربات التي يمكن اعتمادها لمعالجة هذه الخسائر. 

حتّى الدراسات التي عملت عليها المراكز البحثيّة والجهات التي تمثّل القطاع الخاص، كجمعيّة المصارف مثلًا، قامت على منهجيّة العمل نفسها، من ناحية التركيز على الفجوات الموجودة في ميزانيات القطاع المالي، بوصفها العنصر الذي يختزل الخسائر التي يجب أن تتعامل معها الدولة في المرحلة المقبلة، وإهمال الخسائر التي يواجهها المجتمع وعمّاله.

بحسب هذه المنهجيّة، يضمّ مفهوم خسائر الأزمة العناصر الآتية:

  • فجوة ميزانيّة مصرف لبنان، أي الفارق بين موجوداته والتزاماته بالعملة الصعبة، والذي نتج عن إنفاق المصرف المركزي من الاحتياطات وتراكم التزاماته بالعملات الأجنبيّة لمصلحة المصارف.
  • الخسائر التي ستنتج عن إعادة هيكلة الدين العام، وفق قيم جديدة بعد الاقتصاص من قيمة السندات القائمة حاليًّا. وهذه العمليّة يفترض أن تكبّد المصارف ومصرف لبنان خسارة ناتجة عن الحسم من قيمة السندات التي يحملانها. 
  • الخسائر التي ستنتج عن القروض التي منحتها المصارف للقطاع الخاص، نتيجة ارتفاع نسبة الديون المتعثّرة من هذه القروض.

كلّ هذه الخسائر التي يجري الحديث عنها، والتي تحرص الخطط على التعامل معها على طريق التصحيح المالي، هي حصرّا ما يُعنى بأزمة القطاع المصرفي، فيما تتجاهل هذه المقاربات كتلةً أكبر من الخسائر التي يدفع ثمنها اليوم المجتمع بأسره، والتي لا يوجد ما يوحي باهتمام السلطة بمعالجتها في خطتها الماليّة. 

1.

هل تحتسب هذه الخطط الخسائر التي تنتج مثلًا عن تدهور قيمة أجور العمّال أصحاب الدخل المحدود بنحو 18 مرّة نتيجة تراجع سعر الصرف الفعلي في السوق، وبغياب أي تصحيح شامل للأجور منذ حصول الانهيار النقدي؟ وهل تحتسب هذه الخسائر الكلفة التي ستترتّب على عمليّة التصحيح الشاملة لأجور القطاعين العام والخاص؟ 

2.

هل تحتسب هذه الخطط كلفة الانهيار الذي طرأ على قيمة تعويضات نهاية خدمة العمّال؟ وأي كلفة قد تترتّب إذا أرادت الدولة التعويض على هؤلاء العمّال؟ وهل احتسبت الخطط الماليّة الفجوات الموجودة في ميزانيّات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي تفوق في خطورتها الفجوات الموجودة في الميزانيّات المصرفيّة؟ 

3.

هل تطرّقت الخطط الماليّة للكلفة التي يتحمّلها عمّال لبنان منذ بداية الانهيار، نتيجة تدهور نسبة التغطية الصحيّة التي تؤمّنها مختلف الجهات الضامنة، والتي ما زالت ثابتة بقيمة محددة بالليرة اللبنانيّة للأدوية والخدمات الصحيّة؟ وهل تطرّقت هذه الخطط لما يُفترض أن يترتّب من تكاليف على الصناديق الضامنة، أو العمّال، أو الدولة، في حال تم وضع خطط لاستعادة نسبة التغطية الصحيّة كما كانت الحال قبل العام 2019؟ 

4.

هل يدرك القائمون على هذه الخطط أن الناتج المحلّي للبنان، أي حجم الاقتصاد الإجمالي، انخفض من نحو 52 مليار دولار عام 2019 إلى مستوى لا يتجاوز الـ21.8 مليار دولار عام 2021؟ وأن هذا الانخفاض لا يعني سوى انخفاض موازٍ في قيمة مداخيل المقيمين، وبالتحديد العمّال الأكثر هشاشة والأقل قدرة على مواءمة أجورهم مع التضخّم الحاصل في الأسواق؟ 

5.

هل احتسبت كل هذه الخطط الخسائر التي طرأت على مختلف أشكال شبكات الحماية الاجتماعيّة، التي تمكنت الدولة قبل العام 2019- وإن بشكل محدود- من تأمينها قبل دخول مرحلة الإفلاس؟ هل تمّ احتساب التراجع الذي طرأ على قدرة الدولة على التدخّل في قطاعات التعليم والصحّة والبنية التحتيّة، وهو ما دفعت ثمنه الفئات الأكثر هشاشة؟


ببساطة، لم تلحظ المقاربات الحكوميّة كل هذه الأكلاف التي يتحمّلها عمّال لبنان وموظفوه من أصحاب الدخل المحدود، وهو ما يعكس اتجاه كل هذه الخطط إلى أولويّة واحدة: إعادة إنعاش النظام المالي كما كان قبل العام 2019، عبر تركيز الخطط على معالجة أزمته حصرًا، وتجاهل كل الخسائر التي لحقت بالمجتمع منذ حصول الانهيار المالي. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,754 شهيداً، 15,626 مصاباًمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
المصوّرة نان غولدين في برلين: عار عليكِ يا ألمانيا
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
24-11-2024
تقرير
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
صواريخ حزب الله تُصيب مصنعاً في الجليل