قبل الانتهاء من كتابة هذا المقال ببضع ساعات، تشكّكت لوهلة بأنّ الأحداث التي أصفها هي من نسيج خيالي ولا تمتّ للواقع بصلة، نظراً لتصريحات بعض الساسة عن الأحداث ذاتها. فهذا النص محاولة لجدول زمني لما أظنّ أنّه تروما عايشها عقلي البارحة، ممزوجة ببعض المقتطفات من حديث دار بيني وبين نفسي، فيما كنت أحاول فهم ما يجري.
7 أيّار 2008
الطابق الأوّل في الطريق الجديدة قرب الجامعة العربية. أصوات رجال وصراخ (الكلمة اللطيفة لوصف الجعير) تندّد بالوقوف على الشرفات وتصرخ بنا (نحن الإناث الثلاث) للدخول وإغلاق الأبواب. لم يكن رجلاً مدنياً عابراً ومتواجداً في الشارع بالصدفة. كان عضواً في تيّار المستقبل يحمل سلاحاً لم أفهم حينها لماذا كان موجوداً، نظراً للبروباغاندا التي تشرّبناها عن «احتكار» الحزب لـ«السلاح غير الشرعي» كما أسماه التيّار وشباب المنطقة. قطعت، نسينا.
7 أيّار 2018
تذكّرنا وعشناها مجدّداً، لكن هذه المرّة لم نكن أطفالاً. تراشق بالرصاص مرّة جديدة. احتفالاً أو امتعاضاً من نتائج الانتخابات؟ من يعلم؟ لا يهمّ. المهمّ أنّ أحد أبطال تراجيديا ذلك النهار هو أحد أبطال تراجيديا وكوميديا البارحة. على الأغلب أنّ نهاد المشنوق اليوم لا يتذكّر حتّى زياراته إلى أحيائنا قبل الانتخابات بعدّة أيّام، حيث اندلعت الاشتباكات بعد إعلان النتائج في اليوم التالي، وأنّه ربّما يهنّئ نفسه لكونه خارج اشتباكات البارحة. المشنوق الذي كان مرشّحاً آنذاك، هو اليوم متورّط بالإنفجار. قطعت. عادي، رواق. هياكي بالمكتب ما أحلاكِ مبسوطة بالتقرير اللي خلصتيه بعد 3 أشهر تأخير. نجيتي. ما نجيتي؟ مبلى. إنو مش مهمّ كم نجاة صدفة أو بالغلط صاروا. عادي مين عم يعدّ؟ عادي، رواق. بين الرينغ والطيونة وينِك ووين، روقي.
14 تشرين الأوّل 2021
بعد عدّة طلقات تحت المنزل، عدت بذاكرتي إلى 7 أيّار. بعد طلقات ولكن أيضًا بعد رسالة ساخرة وصلتني، تذكّرني بضرورة عدم «لعب ورقة العواطف»، فيما كنت متجمّدة في المكتب. لا مكان للعواطف في السياسة، فرح، أنتِ أذكى من ذلك. بالطبع صديقي الممانع. أنت على حقّ. فنحن لا نعيش ونختبر السياسة كأشخاص ذوي عقول ومشاعر وأجهزة عصبية، بل كمجرّد آلات، تستخدم منطقاً منزلاً فيما الإشتباكات دائرة من حولنا. السياسة أكبر مني ومنك، ومنّا جميعاً. لا مساحة متبقّية إذاً للحديث عن التروما أو الصدمة الجماعية. لا مكان لنا فيها إلّا كمتلقّين للأضرار الجانبية من صدمات ورصاص طائش. السياسة حكر على الممانع الحذق الذي تخطّى المشاعر واكتفى بنظريات المؤامرة.
حذارِ من التلاعب والاستثمار السياسي
يتساءل الممانعون عن مصداقية قضية يتبنّاها سمير جعجع وسامي الجميّل. والمنطق طبعاً يقول أنّ تبنّي القوّات لأي قضية يجعلها ساقطة، بعكس اعتقادنا أنها محاولة للأسف ناجحة لاستلابها ولتلميع صورة واستعادة مجد زائف منذ سنتين حتّى اليوم.
المشكل صار عن أوّل إطلاق نار صار… كان قنص. نحن اليوم تفاجأنا بشي كتير جديد، شي كتير خطر هو إطلاق النار على الرؤوس. هيدا الشي مش مقبول وزير الداخلية بسّام المولوي
صحيح. لكن ماذا عن إطلاق النار على باقي أعضاء الجسد من قبل قوى الأمن الداخلي. هل هذا «عادي»؟ معاليك، العيون اللي تقوّص عليهن هنّي بالراس كمان.
احذروا التلاعب السياسي فأنتم اليوم في نفس الخندق أو الجبهة مع سفّاحين يستغلّون السذاجة السياسية للناشطين والمعارضين. نسيت مين
قد يكون أحد أهداف هذا النوع من التلاعب والابتزاز السياسي هو إشغالنا بدوّامة الستّة وستّة مكرّر. نمضي وقتًا هائلًا نحاول دوزنة موقف لتفادي تهم التنميط والتنميط المقابل، وننسى لبّ الموضوع: سبب التظاهر بالأساس، في سياق أكبر جريمة في تاريخ هذا البلد المشحّر.
ما الجدوى العملية في الواقع لنقل المعركة من ذلك السياق إلى سياق تجنّب التنميط؟ مَن المستفيد فعلاً من أخذ المعركة بهذه الاتّجاهات ومَن يكترث غيرنا أصلاً؟ لا أعتقد أنّ هناك جدوى فعلية من هذا كلّه. ومن جانب آخر، كيف:
- نوفّق بين تجنّب تشخيص المعركة بشخص القاضي من جهة
- واحتمال تشقيفه من جهة أخرى
- دون الوقوع في فخّ الحياد مرّة أخرى
- أو حتّى فخّ دوّامة الطهارة السياسية المتمثّلة بإقناع أحد ما أنّ القوّات غير مرحّب بها
- بالرغم من استلابها للمرحلة الآنية…
الموت الوشيك
يبقى السؤال، كيف لا يزال القاضي حيّاً؟ الخلاصة أنّ الموت وشيك ووليد اللحظة، أي لحظة وأيّ مكان. البارحة والسنة الفائتة نجونا صدفةً. مش بعيدة يطيروه ونتشقّف بالغلط معه، هيك طرطَيشات يمين شمال. حسب وين منكون نهارتها.