يقبع في سجون مصر آلاف المساجين الجنائيّين والسياسيّين. مع انتشار فيروس كورونا، لجأت مصر لعزل المساجين عن ذويهم بشكل تامّ منذ أربعة أشهر، وقطعت وسائل التواصل في كثير من الأحيان ممّا أدّى إلى تعذُّر دخول الأطعمة والأدوية أيضاً. تأتي هذه التدابير معاكسةً لما اتّخذته حكومات العالم من إجراءات لتأمين المساجين ومَن حولهم من مسؤولي السجون، عبر إخلاءات سبيل وغيرها من الإجراءات التي من شأنها الحماية من بطش الفيروس الذي لا يفرّق بين سجين وحارس. هنا نداءٌ من منتدى الأسير المصري بهذا الشأن، تنشره «ميغافون» نظراً لخطورة الوضع على المصريّين بشكل عام، وعلى المعتقلين بشكل خاص.
وصلت الجائحة سجوننا، فلم تفرّق بين حارس وسجين. ودخلت الجائحة زنازيننا، فلم تفرّق بين سياسيّ وجنائي. اقتحمت الجائحة معتقلاتنا، فلم تفرّق بين إسلاميّ وعلمانيّ. أتت الجائحة، فصارت المنازل أضرحة والزنازين أضرحة… فيا أيّها الواقفون على حافة الجائحة أشهروا رايات الهدنة.
فالجائحة جاءت لتثبت تهافت نزاعاتنا وتواضع صراعاتنا أمام الإرادة الالهية، وقلّة حيلتنا وضعف خصومنا أمام قوّة الطبيعة. أتت الجائحة لتذكّرنا بأنّ حماية أرواح الكلّ ضرورة لا سبيل لها إلا بالتكاتف والتضامن. أتت الجائحة، فلم ينجُ منها إلا المجتمعات التي وحّدت صفوفها وجيّشت جهودها بدافع واحد هو غريزة البقاء والاحتفاء بالحياة وعملت على هدف واحد هو تأمين المستقبل.
أتت الجائحة واندحر أمامها كلّ من تمسّك بصغائر المكاسب وكلّ من انشغل بكبائر الماضي. أتت كنذير وآية، كابتلاء واختيار لكل البشرية، وأتى رد العقلاء بضرورة ألا يتشابه ما بعدها مع ما قبلها.
لذا نوجّه خطابنا هذا لكلّ عقلاء المجتمع المصري (وهم بإذن الله الأغلبية)، كما نوجّهه لكلّ قواه الفاعلة: إمّا أن ننجو معاً أو نخسر معاً خسائر لا تعوَّض ولا سقف لها.
مصيرنا واحد، شئنا أم أبينا، فسلامة السجين ضرورة لسلامة ابن القاضي، وسلامة المعتقل ضرورة لسلامة والدة الضابط، وسلامة الأسير ضرورة لسلامة أخوة الشامت فيه. كلّنا أمام الفيروس سواسية، مجرّد وسائط للانتشار والتكاثر، وكلّ الحلول الأمنية باطلة، وكلّ الأدوات القمعية عاجزة.
لهذا يطلق منتدى الأسير المصري مبادرته لهدنة سياسية إنسانية مفتوحة نجمّد فيها طواعيةً كافة الصراعات والنزاعات السياسية لنتفرّغ جميعاً لمواجهة الجائحة. كما يأمل منتدى الأسير المصري أن تتفاعل كافة القوى والتيارات والأحزاب والحركات المعبّرة عن كامل الطيف السياسي المصري (وجلّها ممثَّل في السجون والمقرّات) بجدّية مع هذه المبادرة.
كما يناشد منتدى الأسير المصري كافة العقلاء في مؤسسات الدولة المصرية (وهم إن شاء الله كثُر) بالتعاطي بإيجابية مع هذه المبادرة لوقف الإدارة الأمنية وتنحية الحلول القمعية واستبدالها بالإدارة الجماعية والحلول العلمية.
كما نقترح تشكيل خلية لإدارة الأزمة مشكّلة من القوات المسلّحة ونقابة الأطباء والمجلس القومي لحقوق الإنسان، بمساندة دولية من الهلال والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية. تقوم هذه الخلية بإدارة وتعبئة كلّ جهود وموارد المجتمع المصري وإطلاق الطاقة الكامنة فيه لإنقاذ المستقبل ومواجهة الجائحة.
كما يطالب منتدى الأسير المصري حكماء وشيوخ القضاء الانضمام إلى هذه المبادرة بالعمل على إطلاق سراح كل الخبرات والطاقات المحبوسة في السجون والمنفيّة إلى الخارج من أطباء وممرّضين ومتطوّعين، والنظر بعين الرحمة للأمّهات والمرضى والمسنّين المهدّدة أرواحهم في السجون بسبب الأزمة السياسية، وإعادة توحيد الموارد والجهود المهدورة في ساحات التقاضي وإعاشة ورعاية السجناء والمعتقلين وأسرهم.
يؤكّد منتدى الأسير المصري على ضرورة إنهاء التكدّس في السجون عن طريق الاستخدام الواسع والشامل لأدوات العفو والإفراج الشرطي والصحي وصلاحيات وقف تنفيذ الأحكام وإخلاءات السبيل كإجراءات ضرورية لحماية المجتمع كله، ومن باب أوْلى الإخلاء التامّ لمقرّات الاحتجاز غير الشرعية أسوةً بكلّ الدول التي تمكّنت من السيطرة على انتشار الوباء.
في النهاية، يضع منتدى الأسير المصري ثقته في الله أوّلاً، ثمّ الشعب ثانياً. ويطلق مبادرته آملاً في أن تحظى بواسع الانتشار وعميق النقاش وجدّية التبنّي. فالجائحة تستدعي التجرّد والإخلاص ووحدة المجتمع المصري، بل البشري كله.
وأخيراً نسألكم جميعاً الدعاء. فالمنازل أضرحة، والزنازين أضرحة، ونحن على حافة الجائحة.
أدركونا قبل ألا تستطيعوا أن تدركوا أنفسكم.