قضية الأسبوع دولة حزب الله
ميغافون ㅤ

الصراع على حدود الهزائم

السلاح بين الخارج والداخل

23 آب 2025

في انتظار الردّ الإسرائيلي

بعد التوترات والسجالات التي تلت قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة، بدأت تتّضح معالم «السياسة الرسمية» اللبنانية، بعيدًا عن مزايدات الداخل. عاد الموفد الأميركي توم باراك إلى لبنان، بنغمة مختلفة هذه المرة، حيث اعتبر أنّ الحكومة اللبنانية أقدمت على «الخطوة الأولى»، وبات الآن على إسرائيل القيام بالخطوة الموازية. بهذا تكون «السياسة الرسمية» اللبنانية قد نجحت بإبعاد الضغط الخارجي عنها، وإن لفترة محدودة، ونقل الضغط إلى الجانب الإسرائيلي الذي لم يُبدِ حتى الآن أي رغبة في إبرام أي تسوية أو اتفاق. 

ربّما لم يوافق حزب الله على إعلان هزيمته، لكنّ «السياسة الرسمية» اللبنانية، ومعها معظم القوى السياسية اللبنانية، خارج الثنائي، باتت تتحرّك انطلاقًا من واقع هذه الهزيمة. فما من ترفٍ في الخيارات أمام الطرف المفاوض اللبناني إلّا التفاوض على حدود هذه الهزيمة. فجاء تصريح رئيس الجمهورية ليؤكد أنّ ليس من خيارات كثيرة أمام لبنان: لدي خيار من اثنين إما الموافقة على الورقة ومطالبة العالم الحصول على موافقة إسرائيل أو عدم الموافقة ورفع وتيرة الاعتداءات وعزل لبنان اقتصادياً. وفي السياق ذاته، أكّد رئيس الحكومة محدودية الخيارات المتاحة، حتى أمام المقاومة: نحن نريد أن نحمي سلاح المقاومة من الضربات الإسرائيلية. حرام أن يكون هذا السلاح متروكاً في المخازن التي تأتي إسرائيل لضربها.

وضعت «السياسة الرسمية» اللبنانية الطرفَيْن أمام مسؤولياتهما: إن كان حزب الله غير قادر على الدفاع عن لبنان، فلا مفرّ من التفاوض. وإن كانت إسرائيل لا تريد القيام بخطوات تجاه تسوية الوضع، فلا قدرة على حصر السلاح.


السلاح أسلحة

تتفاوض «السياسة الرسمية» اللبنانية بإسم أرض تخاض عليها ومنها الحروب، وكأنّها وسيط بين فرقاء لبنانيين وعالم خارجي، عليها البحث بينهما عن مسافة «سيادية» صغيرة، يمكن نعتها بالدولة اللبنانية. وهذا يعود إلى تاريخ السلاح ومعانيه المختلفة. فالسلاح الذي يراد حصره أو تسليمه أو نزعه، حسب العبارات المتصارعة، هو أكثر من سلاح، أو سلاح ذو معانٍ متعدّدة:

  • هو سلاح مقاومة: سلاح تاريخه يمتدّ إلى بدايات التوسّع الإسرائيلي جنوبًا، بدأ يساريًا وفلسطينيًا، قبل أن يُحصَر السلاح في يد حزب الله، وهو مرتبط بالصراع الإقليمي. منذ بدء الحروب مع إسرائيل، والحكومات المتتالية تتعاطى كوسيط بين أطراف لا سيطرة لها عليها، ما أدى لمعادلة التناقض بين سيادة الدولة ومسار المقاومة.
  • هو سلاح هيمنة داخلية: السلاح لا يقوم فقط على الجبهات، بل غالبًا ما يحتاج إلى نظام سياسي يرعاه، وإن كان مفروضًا بقوة السلاح. فلمن ليس في الجنوب، العلاقة مع سلاح حزب الله هي علاقة سيطرة داخلية، تاريخه هو من تاريخ المحاولات المختلفة لفرض هيمنات داخلية، انتهت بحروب أهلية.
  • هو سلاح إقليمي: سلاح يتحرّك على إيقاع صراعات المنطقة، أهدافه تفوق حدود الساحات الوطنية، لتحوّلها إلى أقاليم متناحرة لمشاريع توسّعية.

قاربت «السياسة الرسمية» اللبنانية السلاح من منظوره الأول، واضعة قرارها في مسار اتّفاق الطائف الذي قام على ضرورة حصر السلاح لتفادي صراع السيادات الداخلية. وهنا، قدّمت، ولأول مرّة، عرضًا للعالم بطيّ هذه الصفحة، إن كان هناك تجاوب. لكنّ السلاح ليس فقط سلاحًا موجّهاً للخارج. له أبعاد أخرى، متروكة للسجال الداخلي. 


السلاح في طوره الداخلي

السلاح في جانبه الثاني بات موضوع السجال الداخلي، حيث حصرُه ليس مرتبطًا بالحرب مع إسرائيل وتسوياتها الممكنة. فيبدو أن التفاوض مع الخارج أكثر مرونة من مطالبات نزع السلاح الداخلي. فإذا كان المطلب مع الخارج مشروطاً بإتمام هذا الخارج خطوات موازية، فإنّ المطلب الداخلي «مطلق»، ليس مشروطًا بأيّ خطوة موازية. 

هو «مطلق» لكونه يمسّ بسيادة الدولة، كما صرّح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، عندما ربط نزع السلاح بإعادة القرار الاستراتيجي العسكري والأمني إلى الدولة… لأنه من دون حصر كل السلاح بيد الدولة اللبنانية، ومن دون إعادة القرار الاستراتيجي إليها، لا يمكن أن تقوم دولة لبنانية حقيقية. هو «مطلق» لكونه مرتبطاً بسؤال انتماء حزب الله، حسب رسالة البطريرك الماروني بشارة الراعي لحزب الله: رسالتي إلى حزب الله… أَعلنْ ولاءك النهائي للبنان. هو «مطلق» لكونه فقدَ وظيفته، وفقَ الحليف السابق، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، عندما أكّد أن حزب الله لم يلتزم معنا لأن سلاحه في حرب الإسناد كان ضمن إطار هجومي على اسرائيل، وبالتالي انقلب على وثيقة التفاهم الموقعة مع التيار الوطني الحر… السلاح لم يعد رادعاً ووظيفته الدفاعية أصبحت محدودة، وبالتالي يجب أن يدخل ضمن قوة الدولة للدفاع عن لبنان ضد اسرائيل.

في الداخل، ما مِن تفاوض، على الأقلّ ليس مباشرةً. هناك موقف مطلق، يواجهه رفض مطلق. من جهة، تطالب أطراف لبنانية بنزع السلاح بغض النظر عما يجري على الحدود. ومن جهة أخرى، يفاوض حزب الله على سلاحه مع إسرائيل، ولكنّه يرفض الاعتراف بشريك داخلي. 


السلاح بين هزيمتَيْن

النقاش حول السلاح بات مرادفًا للنقاش حول تحديد حدود الهزائم المتراكمة. 

في طوره الخارجي، يبدو النقاش حول السلاح مرتبطاً بنتائج الحرب الأخيرة، بحدود الهزيمة العسكرية ومصير سلاح الردع بعدها. في هذا السياق، يكمن التحدّي في قدرة الدولة على امتصاص أحد أبعاد الهزيمة، من خلال انتزاع تنازلات من الخارج، قد تنجح في فرض تسوية سلميّة لمسألة السلاح. 

لكنّ هذه الهزيمة ليست الوحيدة. 

النقاش يدور أيضًا حول تحديد حدود هزيمة أخرى، داخلية. إنّها هزيمة مشروع هيمنة حزب الله الداخلي، وتحديد خلاصات هذه الهزيمة، خاصة في بعدها الطائفي. لكنّ هذه الهزيمة تخبّئ أخرى، تطال نظام ما بعد الطائف. فصعوبة «احتواء» حزب الله داخليًا بعد هزيمته تشير إلى انحلال النظام اللبناني، أكان سياسيًا أو اقتصاديًا. هي هزيمة يتحمّل حزب الله مسؤوليتها، لكنّه ليس وحيدًا في ذلك. فالمواقف المطلقة الداخلية، مقارنة بالمواقف المشروطة خارجيًا، هي إشارة إلى أزمة لا تبدو تسويتها ممكنة. وهنا، يبدو واضحًا غياب الدولة كطرف راعٍ لهذا الخلاف، دولة قادرة على تحويل هذه المواقف المطلقة إلى مفاوضات مشروطة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً