ثلاثيّة نعيم قاسم

لم تكد تمرّ 24 ساعة على زيارة علي لاريجاني لبيروت، حتّى أطلّ الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، ليعلن بوضوح وحزم موقف حزب الله من القرارَيْن الأخيرَيْن للحكومة اللبنانية بشأن حصرية السلاح والموافقة على أهداف ورقة توم بّراك.يمكن اختصار موقف قاسم بثلاث نقاط:

1- لن تسلّم المقاومة سلاحها

رفض قاسم رفضاً قاطعاً تسليم سلاح المقاومة والعدوان مستمرّ والاحتلال قائم، معلناً الاستعداد لخوض معركة كربلائيّة في مواجهة المشروع الإسرائيلي الأميركي.

2- تتحمّل الحكومة مسؤولية أيّ انفجار داخليّ

رغم إعلان قاسم أنّ حزب الله لا يسعى لفتنة داخلية، فإنّ خطابه كان أشبه بتهديد بها، وقد حمّل الحكومة اللبنانية مسبقاً مسؤولية أيّ خراب للبنان.

3- قرار الحكومة يضعها في مواجهة مع الطائفة الشيعيّة

بدأ قاسم خطابه بالحديث عن المقاومة، وأنهاه بالحديث عن الميثاقية وعن أنّ البلد لا يُبنى لمكوِّن دون آخر. فـإما أن يبقى ونبقى معاً، وإما على الدنيا السلام.

المعركة الكربلائيّة وخراب لبنان

قد تكون العبارتان-المفتاح في خطاب قاسم هما معركة كربلائية وخراب لبنان. 

الأولى تعني أنّه رغم نتائج الحرب الأخيرة، فإنّ حزب الله غير مستعدّ لإعلان الهزيمة، وهو يعارض قرار الحكومة الأخير من هذا الباب. فهذا القرار- في أحد أوجُهه- ليس إلا إعلاناً من قِبل الحكومة للهزيمة التي رفض حزب الله أن يعلنها، رغم مصادقته على وقف إطلاق النار من ضمن اتفاق يُعَدّ التنازل الأكبر لإسرائيل منذ التحرير. 
أمّا العبارة الثانية، فهي تعني أنّ حزب الله- وبخلاف العام 2008- يعرف أنّ مواجهته الحكومة وقراراتها هذه المرّة لا تصبّ في مصلحة معسكر سياسي (8 آذار مثلاً أو التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر) في مواجهة معسكر آخر. فباستثناء قوى سياسية هامشيّة، ما عاد حزب الله يمتلك شريكاً محتملاً بالسلطة من خارج الطائفة، ما يعني أنّ ما هو على المحكّ اليوم ليس شكل السلطة بل وجود لبنان نفسه. حماية السلاح الآن لا تتطلّب انقلاباً (كما حدث في 2008)، بل قد تتطلّب مشروعاً تقسيمياً.

سؤال حماية لبنان

رغم كلّ هذا التصعيد، لا بدّ من الملاحظة أنّ رفض قاسم لتسليم السلاح جاء مُقترناً باستمرار العدوان والاحتلال: لن تسلّم المقاومة سلاحها والعدوان مستمرّ والاحتلال قائم. وهذا هو بالضبط ما تجاهلته الحكومة في قراراتها التي بدت وكأنّها نابعة من اعتبارات داخلية تتعلّق بإنهاء مرحلة الهيمنة السابقة على السلطة، ومن الاستجابة لضغوط خارجية تتعلّق بالحصول على مساعدات. أمّا سؤال حماية لبنان وضمان الانسحاب الإسرائيلي، فكان الغائب الأكبر عن قرارات الحكومة.

تجرّؤ الحكومة على رفع الشرعيّة عن سلاح حزب الله للمرة الأولى منذ نهاية الحرب، لم تقابله جرأة ولا حنكة في التعاطي مع ورقة برّاك. كما لم تستطع ضمان أي من الأموال الطارئة للمباشرة بإعادة الإعمار، لترميم الثقة بين الجنوبيين ودولتهم. فأتى الردّ الإسرائيلي على قرار الحكومة بحصر السلاح سريعاً ومذلّاً، عبر مواصلة الضربات اليوميّة. 

وما فاقم الأمر سوءاً أنّ الردّ الإسرائيلي أعقبه تعبير بنيامين نتنياهو في مقابلة تلفزيونيّة عن «ارتباطه العاطفي برؤية إسرائيل الكبرى» التي تشمل أجزاء من لبنان وغيره من الدول العربيّة. وقد سبق تصريحات نتنياهو كلام مشابه لسموتريتش وبن غفير، أعاد تأكيد ما كشفته حرب الإبادة على غزّة: أصبح المشروع الإسرائيلي خارج السيطرة بعد تجاوزه كلّ المحاذير والحدود وقواعد الاشتباك بدعم ورضى الإدارة الأميركيّة. 

ليس في لبنان من يبذل جهداً سياسياً أو دبلوماسياً أو حتى نظرياً لمقاربة التحدّي الإسرائيلي الوجودي بجديّة، بعد انهيار الخيارات العسكريّة والدبلوماسية على حدّ سواء منذ 7 أكتوبر: لا حزب الله الذي دُمِّر الجزء الأكبر من سلاحه، ولا المهروِلون للتطبيع، ولا حتى السلطة اللبنانيّة الجديدة التي ترفع شعار السيادة.

لبنان الماضي ولبنان الموعود

حين كان الشيخ نعيم قاسم يلقي خطابه، استدعت المباحث الجنائية المركزية وليام نون إلى التحقيق بعد مهاجمته حزب الله في كلمته التي ألقاها في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت. استدعاءٌ يشبه إلى حدّ كبير لبنان في ظلّ الهيمنة السابقة. أمّا لبنان الموعود، فهو الذي يصمت عن مصرفي لبناني نهب أموال المودعين، ليموّل أوبرا اسرائيليّة في واشنطن. لا يبشّر هذان اللبنانَان بالخير. وكما انتهى لبنان الزمن الإيراني، قد لا تُكتَب الحياة للبنان الزمن الإسرائيلي.