تعليق
سلسلة
هيدا اسمه تحرّش
ترايسي يونس

أنا تكلّمتُ، لكن ماذا عن غيري

19 حزيران 2021

ما كنت لأتوقّع أبداً أن تكرّ السُبحة بهذا الشكل. كل ما أردته من الموضوع، يومَ نشرتُ تحذيريَ من المدعو جعفر العطار، هو تنبيه أصدقائي الذين هم في مجال المسرح والتمثيل. حتّى أن المنشور كان خاصّاً، قبل أن أفتحه للعموم بعدما تنبّهتُ لتعدّد ضحايا الشخص نفسه.

تردّدتُ بدايةً، قبل نشر المحادثات، ظنّاً منّي، ربما، بأنني أبالغ في ردّة فعلي، أو أن هذا الموضوع غير مهمّ أو أنه عاديّ. ولكن سرعان ما تجرّأت وقررت مشاركة التجربة، لأجد نفسي واحدة من مجموعة كبيرة من الفتيات اللواتي تعرّضن لنفس نوع التّحرّش، وحتّى أخطر.

لا تتعلّق حالتي بتحرشٍ جسدي. أصلاً، لم ألتقِ يوماً بجعفر، ذلك لأنني رفضتُ أن نلتقي يومَ عرض عليَّ. لكن يمكنني أن أقدّر، بعد الفضح الذي صار، ما كان ليحصل لو التقَينا.

لكن في كل الحالات، ما حدث معي، اسمه تحرّش.


«ليه ما عملتيله بلوك»

سمعتُ هذا التعليق كثيراً. مثل هذه التعليقات نسمع عندما نتكلم عن تحرّشٍ لا يتضمّن فعلاً جسدياً. للأمانة، عملت بلوك. عملت بلوك على الواتساب، ظهرَ لي على تطبيق سيغنال. أخبرتهُ هناك أن يكفّ عن إزعاجي، وإلّا بلّغتُ الدرك. ثم تجاهلته. ثم ظهر لي على فيسبوك. ثم بلوك. ثم عاد بعد أسبوعَين على سيغنال. على ما يبدو، تعدّد مواقع التواصل الاجتماعي يلعب دوراً سلبياً في هذا السياق.

ثم يأتي من يقول، بشديد السطحية: اعمليله بلوك وخلصت. عملت بلوك، وما خلصت. كان ينقص أن يظهر فجأةً من غرفة الجلوس في منزلي. هل كان يُفترض أن يتحرش بالفعل، ليس فقط بالحكي، كي نقول هذا هو التحرّش؟

وهل للمتحرّش أن يحدّد المعايير؟ وهل تبريراته تكفي لغض النظر؟ أنا مدخّن، أنا سكران، أنا مش كان هيك قصدي، أنا بتصرّف بلا ما فكّر، أنا عم بمزح معك. كل هذا لا يجعل منك بريء من التّهمة، فعدم مبالاتك لكلمة «لأ» التي صدرت عنّي، وعدم تقبّلك للرفض، وتماديك في الحديث بعدما أبديتُ عن انزعاجي، يجعل منك متحرّشاً.

يعني، ما حدث معي، اسمه تحرّش.


أنا تكلّمت، لكن ماذا عن غيري؟

نعم، كنتُ أول من أثار مسألة جعفر العطار. كلا، لست الوحيدة. لكن المفارقة هذه لا تتعلّق بجعفر فقط. جعفر اسم واحد بين لائحة تطول وتطول، تماماً كما أنا مجرد اسم واحد بين لائحة تطول وتطول من ضحايا التحرّش.

أحاديثٌ كثيرة وصلتني من العديد من الفتيات اللواتي قررن بدورهنّ فضح هذا الشخص - أو غيره، لكن عوائق كثيرة منعتهنّ. منها العائليّ، ومنها إجتماعيّة، ومنها مَيل مجتمعنا الذكوري للَوم الضحية، ومنها القانوني: مين بيحميني إذا فضحته؟

هذه المرة، حاولنا، مجموعة من الناجيات وأنا، أن نختبر هذا القانون - قانون جديد أقرّه المجلس النيابي منذ مدّة، وها نحن اليوم في انتظار تطوّرات الملف. اتّصل بنا مخفر حبيش يومَ أثرنا القضية، طالباً إفاداتنا، وذهبنا وقدّمناها. أُخبرنا حينها أننا قلنا ما قلناه ونشرنا ما نشرناه على وسائل التواصل، واليوم علينا أن ننتظر. الطريف في الموضوع أن هذا الانتظار، يظنّه المتحرّش «خوفاً» أو «تراجعاً»، كما أشار. يظنّ أن تهديداته وتبريراته الذكورية نفعته!

والآن، بينما أنتظر وبينما أتابع تفاعلات القضية، أفكّر بالأشخاص الذين شاركوني قصصهم. أفكّر مثلاً، بامرأةٍ كانت تؤدّي عملاً مؤقّتاً في إحدى المدارس، وانتظر أحد الذكور العاملين هناك أن يكونا بمفردهما في نفس القاعة، ليمرّر يده على فخذَيها، ولتتسمّر هي مصدومة ممّا يحصل. وكما أفكر أنا بها اليوم، قالت لي: فكرتُ بالطلاب وبالأطفال في المدرسة، وكم هم معرّضون لهذه الممارسات.

فكّرتُ أيضاً بزميلاتٍ لي، في مجال المسرح والتمثيل، لا سيّما أنني تخرجتُ من معهد الفنون الجميلة، وأن رجالاً كثر استغلّوا موقعهم «المهني» ليلمسوا ما لمسوه ويتفوّهوا بما تفوّهوا به ويتحرّشوا بمن شاؤوا، تحت عباءة «المهنة». بالمناسبة، قدّمت نقابة الممثلين أيضاً دعوى في نفس الملف، باعتبار أن الشخص المعني ينتحل شخصية «مخرج وكاتب»، وأنّ هكذا سرديات باتت تتكرّر بشكلٍ مريع، وأن كثر هنّ اللواتي يقعنَ في الفخّ.


اليوم، مرّ ما يقارب الشهر على منشوريَ الأول. بعد تردّدٍ طويل، قررتُ مشاركة تجربتي، لكن السؤال الأهم، والأخطر، كم من ضحيٍّة لم تقدر على الكلام، وأين هنّ اليوم؟ كم من ضحيّة لم تستطع فضح المجرم؟ وكم من مجرم ما زال يتجوّل بيننا منتظراً اللحظة المناسبة، لينقضّ على فريسته؟

 

سلسلة

هيدا اسمه تحرّش

كلّما تقدّم النقاش المناهض للتحرّش خطوةً، حاول متحرّشون ردّه خطوات إلى الوراء، لكنّهم من حيث لا يدرون يضيئون بذلك على عمق بنية التحرّش في مجتمعاتنا.
وتفادياً للخضوع لهذا الابتزاز الذي يريد تحويل التحرّش إلى مسألة خاصّة لا جدوى من مقاربتها، يتمسّك هذا الملف بضرورة فتح النقاش العلني والصريح حول التحرّش، ودفعه إلى أبعد وأبعد: من فعل الفضح كفعل سياسي ومشاركة التجربة، إلى الزاوية النظرية والعامّة، وصولاً إلى الموقف القانوني المستجدّ حول الموضوع في لبنان.

مدام أو دوموازيل؟ | تعليق
إجازة مزدوجة: مسرح وتحرّش | تعليق
ما هي فعاليّة قانون تجريم التحرّش الجديد؟ | تحليل

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس