بعد سلسلة الانتصارات الطلابيّة في انتخابات الجامعات الخاصّة، كثر الحديث عن الجامعة اللبنانيّة وإمكانية تكرار الوضع نفسه بحال اجراء الانتخابات.
وقد برزت آراء متضاربة حول هذه المسألة:
يرى البعض أنّ النتائج تدلّ على تغيّر جذري في واقع الطلاب، حتى بات يمكن تسميتهم «جيل 17 تشرين»، وإن هذا التغيير سيطال الجامعة اللبنانية. وينسب البعض الآخر هذه الانتصارات إلى سقوط السلطة، وبالتالي فإن ايّ انتخابات، طلابيّة كانت او نيابيّة، ستعطي الثمار نفسها. امّا ابواق السلطة، فتدعو المستقلّين و«أصناف اليسار» إلى الحلبة الاكبر، أي الجامعة اللّبنانيّة، حيث «لا غنج» فيها.
في الواقع، هناك شيءٌ من الحقيقة في كلّ رأي. فالنوادي العلمانيّة تجذّرت اكثر فأكثر في خضمّ الانتفاضة وانتقلت من حركة «غير سياسيّة» الى حركة سياسيّة بوجه السلطة. أما الطلاب المقبلون على سوق عملٍ شبه معدوم والذين يضطرّون الى دفع اقساط مدولرة، فباتوا يدركون انّ لا خير من ناحية السلطة. وإذا كان صحيحاً أنّ السلطة اليوم مأزومة على أعتاب رفع الدعم والانفجار الشعبي، فإنّها تبقى منظومة سياسيّة- اقتصاديّة تبلغ من العمر اقلّه خمسين عاماً قضتها فوق اركام البيوت الملطّخة بالاشلاء مقيّدةً البلاد والعباد بسلاسل العلاقة الزبائنيّة.
أما في الجامعة اللبنانية، فنواجه السلطة المنظّمة وليس لا إدارةً منفصلة. وهنا علينا إيضاح بعض النقاط المفصليّة:
خلال الحرب الأهليّة، صدر قرار تفريع الجامعة على أساس طائفيّ ومناطقيّ، ما يفسّر وجود الفرعين الاول والثاني لكليّة العلوم، من دون أن يبعد الاول عن الآخر أكثر من 15 دقيقة في السيّارة. من هنا اهمية المطالبة بتوحيد فروع الكليّات في مجمّعات مؤهّلة، اذ انّ هذه المجمّعات ستضم طلّاباً من خلفيّات متعدّدة عوضاً عن خاصيّة فرع معيّن و«تاريخه المعروف»، ما قد يتيح الفرصة لتجمّع الكوادر السياسيّة والتنظيم تباعاً. كانت السلطة وراء كلّ ذلك (بإعتبار ان لا استقلاليّة إداريّة)، كما انّها عطّلت الانتخابات منذ عقدٍ من الزمن بحجّة «تلافي سفك الدماء»، وهي الحجّة عينها التي تطرحها زعامات الطوائف كلّما انخفضت نسب الطاعة والخوف، وشرّعت ما هو غير شرعي عبر تسليط «الخدومين» على المجالس الطلابيّة حارمين الطلّاب من المواجهة. حوّلت المجالس الحياة الطلابيّة من دفقٍ ديناميكيّ الى مستنقعٍ راكد عبر التدجين، أي عبر «تحديد الممكن». فتقتصر المطالب على الإداريات دون حتّى التجرّؤ على إغضاب مَن هم فوق، «فهم الأدرى بمصلحتنا ويحاولون قصارى جهدهم» لتأمين ما يكفينا لليوم.
من شأن الحركة الطلابيّة أن تكون البديل الضروريّ للمجالس الطلابيّة وتعرّف الطلاب على حقوقهم المُخبّأة خلف نماذج الامتحانات، وأن تربط أزماتهم بسياسات السلطة وطبيعة النظام. وقد برزت بعض المجموعات مع إضراب الأساتذة في ربيع 2019، كتكتّل طلاب الجامعة اللبنانيّة. وهنا لا بدّ أن نشير إلى انّ هيكلية الجامعة مصمَّمة لإجهاض مثل هذه المحاولات، إذ من العسير فصل أي مسألة للمعالجة من بين حبال الشبكة المؤسّساتيّة المعقّدة التي تقود إلى دهاليز النظام الداخلي الستينيّ، وبالتالي الى المجلس النيابيّ. وهنا الحاجة دوماً الى المواجهة الشاملة.
في الختام، نلحظ انّ للجامعة اللبنانيّة خصائصها الواقعيّة، أي الماديّة الخاصّة بها، وانّه ليس من الممكن مقاربتها كما الجامعات الخاصّة. ويبقى السؤال ماذا عن الحركة الطلابيّة بعد 17 تشرين وكيف ستتأثر بالمدّ الخاص وهل لتفاقم الأزمة ان يجذّرها على الصعيد السياسيّ والتنظيميّ؟ إنّها «امّ المعارك»، ومَن له أن يتخيّل لبنان يوم تنتصر الحركة الطلابيّة.