تعليق أبويّة وذكورية
سمير سكيني

«دعوا الأطفال يأتون إلَيّ» — إذ حَرَّفها منصور لبكي

18 تشرين الثاني 2021

(تحذير: يحتوي على تعابير قاسية تتعلّق بالاعتداء الجنسي)


انسجاماً مع توجيهات الهيئة العليا لإدارة الكنيسة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، لا تزال أمامنا مهمّة مضنية في كشف المعتدين الجنسيّين داخل الكنيسة؛ على رأسهم، في الحالة اللبنانيّة، الأب منصور لبكي.

البابا شكر منذ أيّام الصحافيّين لنقدهم تجاوزات الكنيسة في المسألة الجنسية وكشفها. لكنّ لبكي، وبكركي، وصحيفة الأخبار أيضاً، وغيرها من الهيئات التي تمثل ذكوريّة النظام وبطريركيّته، ما زالوا يكابرون على الإقرار بأنّه نَعم، الاعتداءات الجنسية رائجة داخل الكنيسة وغيرها من الأوساط الدينية، وأنّه نعم، لبكي كاهن بيدوفيلي مُغتصِب، مُجرِم، صدر بحقّه حكم يقضي بسجنه 15 عاماً بتهمة اعتداءات جنسية واغتصاب بحق قُصَّر.

أضعف الإيمان إذاً تسليمه إلى القضاء، وليس حتّى إقصاءه عن مهامه الكهنوتية.


دَعُوا الأَطْفالَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ الله

هذا ما قاله يسوع المسيح، في إنجيل لوقا (16:18). لكنّ الأب لبكي، المؤمن أكثر من اللازم، ارتأى أخذ هذا القول إلى مقلبٍ آخر. في حالة المسيح،

جاء إليه بعض الناس بأطفالٍ ليضع يديه عليهم (15:18)،

من باب المباركة. أمّا لمسات لبكي، فكانت من باب إحلال اللعنة على الأطفال، لعنةٌ ستُرافقهم طيلة حياتهم.


لمس منصور لبكي قضيب أخي الصغير

—من شهادات الضحايا أمام المحكمة الفرنسية، 9 تشرين الثاني

لا تمنعوهم،

قال يسوع. قال ذلك للتدليل على تواضعه ورحابته تجاه الأطفال. أمّا لبكي الذي طبّق القول نفسه، طبّقه -بالضدّ من يسوع- للتدليل على تسلّطه وأبويّته، بالمعنى الرديء للكلمة. فقد ذكرت المحكمة الفرنسية احتفالات لتمجيد [لبكي]، تصرّفات «غريبة» من قبله مع الأطفال، بحيث أنها كانت عارية من أي بعد روحي.


آمن يسوع بالأطفال، آمن أنّ

لِمِثْلِ هؤُلاءِ مَلَكُوتَ اللهِ.

يا خيبَتَك، لو ترى ما فعله لبكي، فقد كان لمثل هؤلاء جحيم الأرض، بدلاً من الملكوت.

كان لـريتا مثلاً، جحيم أن تكون لعبة [لبكي] الجنسية، قبل أن يرميني. وكان لماري جحيم أن تصبح وزناً ميّتاً، خلال اعتداءات لبكي الجنسية عليها، وهي ما زالت تتذكر جلبَة نعاله في الممرات عندمّا يتقدّم من حجرته خلال المساء. وكان لآخرين جحيم أن تراودهم كوابيس تتعلّق بالاعتداءات، فضلاً عن التروما التي رافقتهم، فأين هو ملكوت هؤلاء الأطفال؟

هكذا كانت شهادات بعض الضحايا، حول مُجرم لا يزال طليقاً. 

الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لَا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ كَأَنَّهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، فَلَنْ يَدْخُلَهُ أَبَداً 

لن يدخله أبداً يا منصور. أبداً.


جوقة المدافعين عن لبكي لجأت إلى المؤامرة المحبوكة بإتقان. المحامي أنطون زعنّي يقول أنّ ضرب منصور لبكي ضرب للإيمان بالكنيسة، فقد هدموا سمعته، وعمله، وفضله على الطائفة. ضرب لبكي ضرب للإيمان، طبعاً. أمّا أن يقدم لبكي على اغتصاب [دومينيك] للمرّة الأولى جاثماً فوقها بكل وزنه“، فهذا ما لا ضرب للإيمان فيه.

أساليب أخرى، غير المؤامرة، اعتُمدَت أيضاً في حماية لبكي. هنا مدافعٌ آخر تنطّح للدفاع عن الكاهن البيدوفيل: إنّه الأب موريس خوري، عبر صفحته الفيسبوكية التي تضم 30 ألف متابع، والتي يُغدقها يوميّاً بالمواعظ الحسنة. خوري اعتبر الحكم حكماً ظالماً من محكمة ملحدة، ورأى فيه استهدافاً للكنيسة من قبل الثورة. فات موريس أنّ الكنيسة نفسها بدأت، أقلّه في روما، بكشف بيدوفيليّيها ومحاسبتهم.


لكن المُبتَذَل حقّاً، هو اتّكاء خوري على قضيّة مريم المجدلية الزانية في معرض دفاعه عن منصور لبكي المُتحرّش. يقول من كان منكم بلا خطيئة فليرجم أبونا منصور بأوّل حجر.

مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا بأَوَّل حَجَر

هذا ما قاله يسوع المسيح، في إنجيل يوحنا (7:8). حينها، 

جاءه معلّمو الشريعة والفريسيون بامرأة أمسكها بعض الناس وهي تزني، فأوقفوها في وسط الحاضرين، وقالوا له: يا معلّم، أمسَكوا هذه المرأة في الزنى. وموسى أوصى في شريعته برجم أمثالها، فماذا تقول أنت؟

يا مُعلّم، يقول نص الحكم بحقّ لبكي أنّه يستخدم الضغط النفسي على ضحاياه، ويتلاعب بهنّ عقلياً وعاطفياً وروحياً […] ولا يتردّد في استخدام سلطته المعنوية، والروحية، والدينية، لطلب خدمات جنسية. 

فماذا تقول أنت؟

يا مُعلّم، تقول شهادة أخرى أنّ لبكي كان يجبر النساء على أن يلمس أثداءهن على الملأ

فماذا تقول أنت؟

يا مُعلّم، لا تزال ماري تتذكّر الطعم الحاد لسائله المنوي بعد 15 عاماً

فماذا تقول أنت؟

الأب موريس خوري وغيره من الكهنة حسموا الجدال وقالوا بنفس جواب يسوع المسيح.

لكن في حين استخدم المسيح مقولته الشهيرة دفاعاً عن فردٍ مُهَمّش في المجتمع، بوجه الحزب الحاكم، استخدم هؤلاء المقولة دفاعاً عن السلطة في وجه ضحاياها، ما هو مضادٌ بالصميم لما قصده المسيح في موقفه من مريم المجدلية.

على كلٍّ، أعتقد، والأرجح أنّ المسيح بدوره يعتقد، أنّ المجدلية لو كانت هنا، لكانت هي من رجمت منصور لبكي بأوّل حجر، على أن يتبعها باقي ضحاياه.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية