تعليق هندسة الانهيار الاقتصادي
خالد صاغيّة

استقالة مستشار

18 حزيران 2020

من خصائص الانهيار الاقتصادي وعصر التكنوقراط أنّ استقالة مستشارٍ في لبنان باتت خبراً يستحقّ المتابعة. هنري شاوول، مستشار وزير المال وعضو الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي، تقدّم باستقالته الأربعاء قبل أن ينشر في اليوم التالي رسالة استقالته على تويتر، وممّا جاء فيها:

حدّدت خطّة الحكومة خسائر كبيرة في القطاع المالي ينبغي التعامل معها لاستعادة الثقة، وإعادة بناء النظام على أسس أكثر متانةً، وجذب الرساميل. لقد أكّد صندوق النقد الدولي حجم هذه الخسائر، لكنّ الإستبلشمنت (الطبقة السياسية، السلطات النقدية والقطاع المالي ككلّ) اختار رفض حجم هذه الخسائر التي تفرض نفسها كواقع لا يقبل الجدل، وباشر تنفيذ أجندة شعبويّة.

تأتي هذه الاستقالة بعد طيّ صفحة الإطاحة برياض سلامة، وافتتاح مرحلة الوئام بين حكومة التكنوقراط ومصرف لبنان وجمعيّة المصارف، حتّى بات سلامة وسليم صفير يشاركان في الاجتماعات الماليّة في السرايا. تأتي أيضاً بعد لمّ شمل القوى السياسيّة المختلفة التي دُعيت في 25 الجاري إلى قصر بعبدا تحت شعار «توحيد الصفوف» لمواجهة الأزمة. وما كان لكلّ ذلك أن يتمّ لولا تكليف النائب العونيّ ابراهيم كنعان، من خلال رئاسته لجنة المال والموازنة النيابية، مهمّة إعادة النظر بأرقام الخسائر كما وردت في خطّة الحكومة، من أجل تقليصها، وبالتالي تقليص العبء المالي الذي على المصارف وكبار المودعين أن يتحمّلوه. هكذا طار الهيركات أوّلاً، ثمّ طار المسّ برساميل المصارف ثانياً.

لكنّ رسالة شاوول لا تتعلّق بالأرقام وحدها، بل تطرح أسئلةً أخرى:

أوّلاً، الإستبلشمنت

بدأت ثورة تشرين بتظاهرات ضدّ القوى السياسية بأكملها، وهي التي كانت مؤتلفة في حكومات الوحدة الوطنية. وإذا كان رجل العهد القويّ آنذاك، جبران باسيل، قد حاز الكمّ الأكبر من الغضب، فإنّ الشتائم التي أسقطت الهالات لم توفّر أحداً. كان ذلك قبل أن يتواطأ الإعلام والأجهزة الأمنية على تثبيت الخطوط الحمراء التي وضعها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في واحد من خطاباته الأولى بعد الثورة: لا شتائم، لا قطع طرقات، لا إسقاط للعهد. كان ذلك أيضاً قبل اشتداد الإجراءات المصرفيّة التي حجزت أموال المودعين، وقبل انكشاف حجم الانهيار الاقتصادي في البلد. عندها انتقل زخم الثورة ضدّ المصارف وسط سجالات في صفوف المحتجّين بين مَن أراد التمسّك بحربه ضدّ الطقم السياسي وتحييد المصارف ومَن أراد حصر المعركة بالمصارف وتحييد القوى السياسية أو بعضها. جاءت رسالة استقالة شاوول لتشهد من داخل المنظومة على وحدة الصفّ بين المصارف والطبقة السياسية، ووقوفها جبهةً واحدةً ضدّ توزيع الأعباء على مصرف لبنان وسائر المصارف وكبار المودعين الذين يشكّل الزعماء وحاشيتهم جزءاً كبيراً منهم.

ثانياً، التكنوقراط

تشكّل رسالة شاوول دليلاً آخر على وهم البديل التكنوقراطي. فيبدو أنّ شاوول هو من الذين اختاروا تصديق دَوْرهم كتكنوقراط انتدبتْهم القوى السياسيّة لفتح باب الخلاص للبلد. لذلك يفصل بين ما يسمّيه «الإستبلشمنت» والحكومة، وكأنّ الحكومة لم تعيّن القوى السياسيّة وزراءها، وكأنّ هناك فضاءً فارغاً يلتقي فيه التكنوقراط المحليّون مع التكنوقراط الدوليين الذين يرسلهم صندوق النقد ليسبحوا معاً في عالم الأرقام المعزولة عن المجتمعات التي أنتجتها. يلقي شاوول باللوم على الإستبلشمنت اللبناني، وهو محقّ في ذلك، لكنّه يتناسى أنّ وظيفته كمستشار لوزير المال لم تكن يوماً إلا خدمةً لهذا الإستبلشمنت.

ثالثاً، صندوق النقد

بعد التراجع عن أرقام خطّة الحكومة، وبعد التصريحات المشكّكة التي أطلقها كلّ من دياب ونصرالله وكنعان، طُرحت علامات الاستفهام حول مصير المفاوضات مع صندوق النقد. لكنّ هذا السؤال لم يعد في الواقع مهمّاً. فمع الصندوق ومن دون الصندوق، يبدو «الإستبلشمنت» متمسّكاً بما تبقّى من خطّة الحكومة من تقشّف وتحرير لسعر الصرف وخصخصة واستخدام أصول الدولة لتعويض الخسائر المتراكمة. أمّا ما تبقّى من لغوٍ «إصلاحيّ»، فمع الصندوق ومن دون الصندوق، بات لزوم ما لا يلزم.

انتهت رحلة صندوق النقد في لبنان قبل أن تبدأ. وقريباً، سينتهي دور التكنوقراط. وسنبقى في الساحة، نحن والإستبلشمنت.

آخر الأخبار

غوغل لموظّفيها
الشرطة الإسرائيلية تعتقل الأكاديميّة نادرة شلهوب-كيفوركيان
الكونغرس يحاصر جامعة كولومبيا بتهمة التساهل مع معاداة السامية
السؤال الأبسط للخارجية الأميركية
ما فوق الإبادة
إعدام المخرّبين هو الحلّ لمعالجة مشكلة اكتظاظ السجون.