تحليل ثورة تشرين
ديمة كريّم

صندوق النقد الدولي يجمع بين هانوي وهونغ كونغ

27 كانون الثاني 2020

على اللبنانيّين الاختيار ما بين نموذجَيْن: هانوي أو هونغ كونغ. هكذا كانت المعادلة لعقدين أو أكثر ما بعد الحرب.

خيار هانوي، بقيادة نصرالله هو خيار المقاومة، والحرب المفتوحة. أما الخيار الثاني، بقيادة الحريري الأب، فهو نموذج هونغ كونغ، أي إقتصاد رأسمالي حر، يتميز بالخدمات والتجارة والأسواق الحرة، وضرائب منخفضة تشجّع الاستثمار، وازدهار ونعيم ناتجين عن استرداد موقع الإقتصاد اللبناني كوسيط ومركز مالي ما بين الشرق والغرب. طُرِح هذان النموذجان على أنّهما متناقضان. فالكفاح المسلح وخيار الحرب المفتوحة والدمار المحتمل في أي لحظة، يتناقض مع حاجة الرأسمالية للاستقرار لكي تؤتي ثمارها. هكذا، على مدى عقدين، قيل لنا: أنظروا إلى هانوي البائسة، وهونغ كونغ المزدهرة، واختاروا. أو أنظروا إلى هانوي المناضلة، وهونغ كونغ الخانعة، واختاروا.

لكن، يبدو أنّ الزمن قد مرّ على هذه المعادلة الساذجة، واختفى التناقض بين الخيارَيْن.

فأتتْ حكومة حسان دياب لتذليل العقبات وتحقيق التوافق بين هذين النموذجين. فهي حكومة مقاومة تريد الحفاظ على نموذج هونغ كونغ الإقتصادي. لا بل كشفت هذه الحكومة عمّا هو أخطر من ذلك. كشفت أنّ محور المقاومة ليس لديه أيّ رؤية مختلفة عن تلك التي أرساها الحريري الأب، فقد أتى بحكومة مدجّجة بالمصرفيّين كوزراء ومستشارين تتكفّل بالمحافظة على النموذج الاقتصادي القائم و«إنقاذه». من هنا، فإنّ تحميل سياسات الحريري ما بعد الحرب وحدها مسؤولية الواقع الذي نعيشه اليوم بات غير متماسك كحجّة، وغطاءً هشّّآً لعدم وجود رؤية اقتصادية أكثر عدالة لدى فريق هانوي.


لننظر إلى «انجازات» هذه الحكومة حتى الساعة كي نتوقّع إنجازتها الأتية.

وزير المالية غازي وزني بشّرنا أنّه من المستحيل عودة سعر الصرف إلى ما كان إليه، ومن أوّل نشاطاته «زيارة مجاملة» مع وفد من صندوق النقد الدولي. أما مروان مخايل، المصرفي الذي يبدو أنه سيُعيّن كأبرز مستشاري وزني، فقد بشّرنا أنّ لا مهرب من برنامج صندوق النقد الدولي لتأمين تمويل (إقرأ قرض) استثنائي يفوق 9 مليار دولار، ممّا سيفتح أبواب التمويل (إقرأ قروض) من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي للخروج من الأزمة. وقد اختار استنسابياً ألا يتطرّق إلى الشروط القاسية لبرنامج صندوق النقد الدولي وسياسات التقشّف التي ستؤدّي إلى مزيد من الإفقار.

يبدو إذاً أن أهمّ إنجازات هذه الحكومة سيتمثّل بالتوافق على الخضوع لبرنامج الصندوق.

فزيادة الضرائب ورفع الدعم، وخصخصة المؤسسات العامة، وخفض الأجور والتعويضات وتصغير القطاع العام، والمزيد من القروض «لمحاربة» الفقر المتجدّد في خضمّ انكماش اقتصادي هي الرؤية الوحيدة لحكومة البروفيسيرات. حتى إعادة هيكلة الدين العام الداخلي الذي كان يمكن للحكومة أن تدفع باتّجاهه، فتسدّد المصارف جزءاً من ثمن الإنهيار للخروج منه، لم يعد على الطاولة. فبالرضوخ لشروط الصندوق، ستتمكن الحكومة من تحرير المصارف من مسؤولياتها عن الانهيار والخروج منه.

إذا كانت السياسات الحريرية مسؤولةً عن تفاقم الدين العام وكلفته، والخصخصة، والتضخم في القطاع المصرفي وأرباحه الهائلة، فإن هذه الحكومة مسؤولة عن استمرار هذا النموذج. لا بل ستدفعه إلى حدوده القصوى، فتكون مسؤولة عن المزيد من التهميش، وتعميق اللامساواة، وتحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد مرهون للخارج ومحكوم ببرامج الصندوق التي سبق لتجارب كل الدول العالقة بها أن أثبتت أنها لا تقدّم أيّ تغير بنيوي للاقتصاد.


تجمع حكومة حسان دياب الأسوأ بين طرفَيْ معادلة هونغ كونغ-هانوي: قمعٌ واستبداد بقيادة جميل السيد ورعاية حزب الله، ونيوليبرالية صندوق النقد الآتية تحت غطاء اختصاصيين وبروفسورات. وما اللجوء إلى الصندوق إلا بداية السعي للتوفيق ما بين الخيارَيْن، هانوي وهونغ كونغ. يمكن القول إنّ الثورة قد طالبت بخيار ثالث يقضي على هذه المعادلة الهجينة، لكنّ السلطة مصرّة على تلازم الخيارين، وجمع الأسوأ بينهما.

آخر الأخبار

محيي الدين يروي
16-04-2024
تقرير
محيي الدين يروي
أن تكون سوريّاً في بيروت
حدث اليوم - فلسطين الثلاثاء 16 نيسان 2024 
مقتل محمّد سرور
متابعات الشيخ جرّاح
أساليب جديدة للقتل
تعليق عمل البروفيسورة جودي دين لوصفها مشهد مظليّي حماس بـ«المنعش»