تصدّرت عبارة لا داعي للهلع معظم التصريحات الرسميّة المطمئنة، بعد التأكّد من ظهور أوّل حالة إصابة بفيروس كورونا في لبنان. فجأة، تحوّل هذا الهلع إلى خصم السلطة الأوّل في تعاطيها مع الفيروس، فانطلق وزير الصحّة للمطالبة بمنع بثّ الشائعات المغرضة على وسائل التواصل الإجتماعي التي تسبّب حالة عامّة من الهلع. وها هي وزيرة الإعلام تتصدّر المشهد إلى جانب وزيرالصحّة، من أجل مكافحة الهلع أيضاً، عبر الإعلان عن إعتماد الوكالة الوطنيّة للإعلام كـمصدر رئيسي ووحيد للمعلومات، لقطع الطريق على الأخبار الكاذبة والمضخّمة.
ثمّة قلق شعبي جرى التعبير عنه بصراحة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً تجاه طريقة تعاطي السلطة مع الفيروس وجدّيتها في مكافحة انتشاره في لبنان. وفي المقابل، ثمّة دولة لا تحب البلبلة وكثرة الأسئلة. هذا ما ظهر في كل تصريحات المسؤولين التي لم يخلُ واحد منها من تعبير يوحي برغبة هؤلاء المسؤولين بالتخلّص من التعليقات التي تسبّب «الوهن في نفسيّة الأمّة»، على طريقة الأنظمة الشموليّة التي تهوى السيطرة والتحكّم في ما يقوله الإعلام.
باختصار، تعكس قرارات حصر مصادر الأخبار بوكالة الإعلام الرسميّة والتحكّم في ما نقوله على وسائل التواصل الاجتماعي، رغبةً دفينة في التعاطي مع هذه الأزمة بأسلوب حالات الطوارئ التي تلي عادةً الانقلابات العسكريّة، لولا أنّ الظروف الراهنة لا تسمح بذلك.
بمعزل عن محاولات فرض ضوابط محدّدة على الإعلام في ما يخص ملف الكورونا، ثمّة ما يستدعي الانتباه في ما يخصّ مقاربة الأزمة بشعار لا داعي للهلع. فهذه المقاربة بالذات هي نفسها الطريقة التي قاربت بها السلطة مسألة الأزمة الماليّة إعلاميّاً، قبل أن تتحوّل إلى انهيار اقتصادي شامل. وإذا كان هناك من درسٍ تعلّمه اللبنانيّون من تلك التجربة، فهو الحذر من المسؤولين حين يدعون إلى الاطمئنان وتجاهل مؤشّرات خطرة، والحذر أكثر حين يتّجه هؤلاء إلى تحميل «الشائعات» مسؤوليّة الأزمة.
فقبيل الانهيار بأشهر، وبينما كانت وكالات التصنيف والعديد من الخبراء يحذّرون من مستقبل القطاع المالي، كان المسؤولون عن الوضع المالي في البلاد وفي طليعتهم حاكم مصرف لبنان يصرّون على سلامة الأوضاع على المستويين النقدي والمالي. وبدلاً من مصارحة اللبنانيين بحقيقة الأوضاع المتّجهة نحو الانفجار الأكيد، كان الحديث عن الشائعات ووسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على الأسواق محور كلام المسؤولين. والمفارقة الكبرى كانت مصادقة رئيس الحكومة على تعميم صادر عن رئاسة الجمهوريّة، يهدف إلى مكافحة الشائعات والأخبار التي تمسّ الوضع المالي في البلاد، وذلك قبل أيام من الانهيار الكبير في القطاع المالي.
تبيّن لاحقاً أنّ الانطلاق نحو محاولة ضبط التفاعل الإعلامي والشعبي مع الأزمة الماليّة، لم يكن سوى محاولة للتغطية عن تفاقم العوارض التي كانت تنبئ بحصول الانهيار لاحقاً. وتبيّن في ما بعد أنّ معطياتٍ كثيرة جرى طمسها طوال سنوات لإخفاء حقيقة الأزمة ومستقبلها، وجرى شيطنة من كان يتناولها بوصفه ناشراً للإشاعات، وصولاً إلى المطالبة بمحاكمته من قبل الخبراء الذين كانوا يدورون في فلك مصرف لبنان وحاكمه.
يتشابه أسلوب السلطة في مواجهة تناول الوضع الصحي، مع أسلوب السلطة في مواجهة كل من تناول الوضع المالي وحذّر من مآلاته قبيل الانهيار. وهذه حقيقة تستدعي الهلع بحدّ ذاتها. فالتجربة تقول إنّ المعنيّين يندفعون إلى لوم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتفاعُل المواطنين مع الأحداث عندما لا يملكون الكثير ليقدّموه على مستوى التعاطي مع الأزمات الكبيرة.