نظرة سينما
سمير سكيني

أن تحيا حياتك

مونتاج في وداع غودار

15 أيلول 2022

مَزجٌ أوّل: سينما- حبّ- موت

عادةً يبدأ الأمر بهذا الشكل:
يأتي الموت، ثم نبدأ الحداد. لا أعلم لماذا فعلتُ العكس بالتحديد: لبستُ الحدادَ أوّلاً؛ لكنّ الموت لم يأتِ. لا في شوارع باريس، ولا على شطآن بحيرة جنيف. حتّى في وقتٍ لاحق، لم أضطرّ أن أذهب بعيداً إلى سَمَرقند، بل العكس، المَشقَّات هي التي جاءت إلَيّ: أي، الحياة. JLG/JLG: autoportrait de décembre (1995)

يصعب الكلام عن الحياة. ليس بالأمر الجديد. لا يمكننا إلّا أن نحياها، وأن نموت بعدها. لكن الكلام عنها؟ همم… أعني، هناك كُتب، لكن في السينما لا نملك كتباً. تُوجَد موسيقى ورسومات. لكن الموسيقى والرسومات أيضاً، لا يمكن لنا إلّا أن نحياها، إذ يصعب الكلام عنها. Pierrot mon ami (1965)

أصلاً لا داعي للكلام، لا داعي للكلام إن وُجِدَ التواصل. ولا داعي للموسيقى. ولا للأفلام. السينما تأتي فقط في اللحظة التي يُفقَد بها التواصل. الكاميرا، بالنسبة لي، وسيلة للتواصل [...] والسينما، بالنسبة لي، مثل الحياة. وأنا، أرغب حقّاً أن أعيش الحياة، مثل السينما. Entretien "La chance de repartir pour un tour" (1980)

  • وفي الحياة، ما هو طموحك الأوسَع؟
  • أن أصبح خالداً، ثم أن أموت. À bout de souffle (1960)
  • وهل تعتقد بوجودِ فارقٍ بين الإيروتيزم، والحب؟
  • لا، لا أعتقد، لأنّ… الإيروتيزم شكل من أشكال الحب، والحب شكل من أشكال الإيروتيزم. À bout de souffle (1960)

 

  • شايف إجرَيّي بالمراية؟
  • ايه.
  • بتلاقيهم حلوين؟
  • ايه، كتير.
  • والكاحل، التنين، بتحبّن؟
  • ايه.
  • بتحب ركابي كمان؟
  • ايه، بحب ركابك كتير.
  • وخواصري؟
  • خواصرك كمان.
  • شايف طيزي بالمراية؟
  • ايه.
  • بتلاقيها حلوة؟
  • ايه، حلوة كتير.
  • بدَّك غَيّر قعدتي؟
  • نو، رواق.
  • وبزازي؟ بتحبّن؟
  • اوف، كتير.
  • شو بتحب أكتر؟ بزي، أو حلمة بزي؟
  • همم مش عارف. قَد بعض.
  • طب وكتافي؟ بتحبن؟
  • ايه.
  • بس بحس انن مش كتير مَبرومين.
  • انا بحس انه مبلا.
  • وإيدَيّي؟ بتحبن؟
  • ايه.
  • … ووجّي؟
  • كمان، وجّك.
  • كلّ وجّي؟ تمّي عيوني منخاري دينَيّي؟
  • ايه، كل شي.
  • يعني بتحبني، بالكامل؟
  • ايه. بحبك بالكامل، بحبّك بحنان، وبحبّك بأسى.
  • وأنا كمان. Le Mépris (1963)


يمكن القول أيضاً أن الإيروتيزم هو اعترافٌ بالحياة. اعترافٌ بالحياة حتّى الموت،
حتّى الموت،
حتّى الموت. Le Gai Savoir (1969)


مزجٌ ثانٍ: سينما- حبّ- لعب

  • ليش هيك زعلانة؟
  • لأن عم تحكيني بالكلمات، بس أنا عم بتطلّع فيك بالمشاعر.
  • بس ما بقدر افتح حديث جَدّي معِك. عطول مشاعر، ما عندِك أفكار.
  • مش مزبوط، في أفكار بقلب المشاعر.
  • طيب. خلّينا نجرّب نفتح حديث جَدّي: بتقوليلي شو بتحبّي، شو عبالك، وأنا بعمل نفس الشي. تفضّلي.
  • ورود- حيوانات- أزرق تبع السما- صوت الموسيقى. انّه ما بعرف. كل شي. Pierrot le Fou (1965)

قبل عامَين، أو ثلاثة، تملّكني انطباعٌ بأن كلَّ شيءٍ أُنجِزَ في السينما.

أنّه لم يتبقَّ شيءٌ لنفعله اليوم. ما وجدتُ شيئاً أفعله إلّا وكان قد أُنجزَ بالفعل [...] أمّا بعد «بييرو المجنون»، اختفى هذا الانطباع. نعم، صرتُ أعتقد: يجب تصوير كلّ شيء، والكلام عن كل شيء. Entretien "Parlons de Pierrot" (1965) لكن الفيلم، لا يمكن أن يُحكى، بل هو يُحيا. أُسجّل الكثير من المُلاحظات، لا من أجل وصف أمرٍ سيحدث، كما يفعل كتّاب السيناريو– إذ أعتقد أنّ الفيلم الناجح هو الذي ينجو من السيناريو. هذا لا يعني أنّني ضدّ كتّاب السيناريو Entretien "Se vivre se voir," (1980) لكن من جهتي، لا أكتب سيناريوهات، بل أرتجلها. أرتجلها تِباعاً، خلال إعداد الفيلم. وهذا الارتجال ليس إلّا ثمرة عملٍ داخليّ مُسبَق، يتطلّب الكثير من التركيز. في الحقيقة، لا أشتغل بالسينما خلال إعداد الفيلم فقط، بل أشتغل بالأفلام عندما أحلم، عندما أتناول الطعام، عندما أقرأ، عندما أتكلّم معكم… Entretien "La chance de repartir pour un tour" (1980)

رسالة إلى أصدقائي كي نتعلّم أن نشتغل بالسينما سويّاً

مونولوغ بييرو

أنا ألعب
أنتَ تلعب
نحن نلعب
بالسينما
تعتقد أنّه
يوجد قاعدة للّعبة
لأنّك طفل
لا يعرف بعد
أنّ هذه لعبة وأنّها
محجوزة للكِبار
الذي أنتَ واحد منهم
لأنَّك نسيتَ
أنّ هذه لعبة أطفال
حيث توجد
عدّة تعريفات
إلَيك إثنَين أو ثلاثة منها
أن ننظر إلى أنفسنا
عبر مرآة الآخرين
أن ننسى وأن نعرف
بسرعة وعلى مهل
العالم
وأنفسنا
أنّ نفكّر وأن نتكلّم
لعبة طريفة،
إنّها الحياة.

ربّما أحلم،
وأنا واقفٌ
فهي تجعلني أفكّر بالموسيقى
– وجهُها.
وصلنا إلى عصر
الرجل وظلّه
لم نعد نحتاج إلى مرآةٍ
للتكلّم مع أنفسنا
عندما تَقول: الطقس جميل،
بماذا تُفكّر؟
ليس لي سوى صورَتها
وهي تقول:
الطقسُ جميل.
ولا شيء آخر.
لماذا إذاً،
نفكّر بذلك؟
نحن مصنوعون من الأحلام
والأحلام مصنوعة منّا
الطقسُ جميل، حبيبتي،
في الأحلام،
والكلمات،
والموت.
الطقسُ جميل، حبيبتي.
الطقسُ جميل،
في الحياة.

Lettre à mes amis pour apprendre à faire du cinéma ensemble (1967) Pierrot le Fou (1965)
  • بييرو هذا، كان الأطفال ليحبّوه، ها؟ كانوا ليرَونه كأنّه في أحلامهم.
  • ومع ذلك، الفيلم محظور لمن هم دون الـ18! والسبب؟ الأناركية الفكرية والأخلاقية.
  • لكنّنا نرى الكثير من الدم في بييرو المجنون.
  • لا نرى دماً. نرى أحمر.  Pierrot mon ami (1965)

مزجٌ ثالث: سينما- ماو- موت

بعد خمسين عاماً على ثورة أكتوبر، تُهَيمن السينما الأميركيّة على السينما العالمية. هذا هو الواقع. لكن علينا، وبقدراتنا المتواضعة، أن نخلق فييتناماً ثانية وثالثة داخل الامبراطورية العملاقة لتصنيع السينما، هوليوود وأخواتها. وذلك على المستوى البصري كما على المستوى الاقتصادي: سنُناضل على جبهتَين. Manifeste (1967)

إذاً، كان لهذا الفيلم هدفٌ مزدوج:

  1. مساندة مَن يقاومون، بشكلٍ أو بآخر في بلادهم، ضدّ الامبريالية.
  2. تقديم نمطٍ جديدٍ من السينما، مثل بروشور سياسي. أي أنّنا لا نبحث عن عرضِ صوَر، بل عرض العلاقات التي بين هذه الصور. Entretien "Godard chez les Feddayin" (1970)

وفي النهاية، رتّبنا الفيلم بالشكل التالي/ كل الأصوات والصوَر جاءت بالترتيب التالي/ قلنا إنّ هذا هو الجديد في الشرق الأوسط، خمس صوَر وخمسة أصوات/ لم يسبق لنا أن رأيناها على أرضٍ عربية:

  • إرادة الشعب + الكفاح المسلّح = حرب الشعب

+ العمل السياسي = تثقيف الشعب

+ منطق الشعب = الحرب الشعبية طويــــــلة الأمد؛ طويــــــــــــلة الأمد.
طويلة حتّى انتصار الشعب الفلسطيني.
حتّى النصر.

وهذا ما صوّرناه هناك، هناك في شباط 1970. هناك، في كل من الأردن ولبنان وسوريا. Ici et ailleurs (1976) كما قرّرتُ أن أتكلّم، في كل فيلم، عن الفييتنام، بشكلٍ أو بآخر. Loin du Vietnam (1967)

نُناضل............ضدّ...كل.......الحروب/    غير العادلة...التي...تقتل...التقدّم.
لكن نحن......لسنا...ضدّ......الحروب/     التقدّمية.

لكنّي أأسَف على ارتكاب حروبٍ بغير قناعة. مؤخّراً صار الوضعُ أصعب: من يرى أنّكِ لا تفعلين شيئاً، يحتقركِ بالتحديد لأنّك لم تفعلي شيئاً. إذاً نفعل أموراً عن غير قناعة. لماذا يُعارض الفاتيكان الشيوعيّين؟ إنّهما من الرأي نفسه: أن كلُّنا أخوة. Le petit soldat (1963)


مُقدّمة: موت- حبّ- سينما

  • وأنتَ؟ شو مركز العالم بالنسبة لك؟
  • مركز العالم! الحب، بعتقد. Masculin Féminin (1966)

وما هو الحب؟
صوتُكَ، عيناك، يداك، شفتاك
سكوتُنا، كلماتُنا،
النور الذي يذهب
النور الذي يعود
بسمةٌ واحدة لكلَينا.
حاجة منّي إلى المعرفة،
راقبتُ الليلَ يخلق النهارَ
دون أن نُغيّر مظهرَنا.
يا محبوب الجميع،
يا محبوب الأحَد،
بصمتٍ، وعَدَ فمُكَ بأن تكون سعيداً،
من البعيد إلى البعيد- يقول البُغض؛
أقرب، أقرب، يقول الحب. Alphaville (1965)

  • غالباً ما كان جان- لوك بعيداً… يسافر كثيراً، يُصوّر دائماً.
  • صحيح، لم ينجح الأمر كثيراً. ماكس أوفيل، المُخرج، كان يقول في أفلامه إنّ الحب خطيئة، لكنها خطيئة مغرية على كل حال. كنت لا أزال يافعاً. في السينما نبدأ من عمرٍ صغير، 30 عاماً ربّما… ثم فكّرت أنّه يجب عليّ أن أحب لأنّي قرأت أنَّ على المرءِ أن يُحبّ وأن يجدَ حبّاً عظيماً. لكن لم يكن باستطاعتي ذلك، لم يكن باستطاعة معظم الرجال، على خلاف النساء. يستَطعنَ ذلك، ويتعذّبنَ بسبب ذلك. أمّا أنا، فلم يكن بمقدوري إلّا أن أقدّم [إلى آنا كارينا] أفلاماً. لكن أحياناً، الأفلام لا تساوي شيئاً… Entretien (1987)
    أحياناً، يكون الواقع أكثر تعقيداً من أن يُعبَّر عنه باللغة. Alphaville (1965) 
    ولماذا التعبير باللغة؟ برأيي أن على المرء ألّا يتكلّم، بل أن يعيش في الصمت. كلّما تكلّمنا، خسرَت الكلمات من قيمتها. Vivre sa vie (1962) نجتهد لنُحلّل معنى الكلمات. غالباً ما نتفاجأ. Deux ou trois choses que je sais d'elle (1967) فتأتي السينما، تأتي فقط في اللحظة التي يُفقَد بها التواصل. الكاميرا، بالنسبة لي، وسيلة للتواصل [...] والسينما، بالنسبة لي، مثل الحياة. وأنا، أرغبُ حقّاً أن أعيش الحياة، مثل السينما. Entretien "La chance de repartir pour un tour" (1980)
  • وفي الحياة، ما هو طموحك الأوسَع؟
  • أن أصبح خالداً، ثم أن أموت. À bout de souffle (1960)

[FIN]

كلُّ مكتوبٍ في هذا النص إنّما كتبه جان-لوك غودار نفسه، أو اقتبسه، في أفلامه أو مقالاته أو مقابلاته. قُلّصَ دور الكاتب في الكتابة إلى حدّه الأقصى، مقابل توسيع دوره كمُوَلِّف. بهذا الأسلوب الذي بَكَّله غودار في فيلمه الأخير، رُتِّبَ هذا النَص، كرسالةِ امتنانٍ إلى مَن علّمنا الكثير.
المراجع:
  1. JLG, JLG/JLG: autoportrait de décembre (1995)
  2. JLG, Pierrot mon ami (1965), Paru dans Godard par Godard- Les années Karina (1985)
  3. Entretien avec JLG, La chance de repartir pour un tour, Les nouvelles littéraires (1980), Paru dans Godard par Godard- Des années Mao aux années 80 (1985)
  4. JLG, À bout de souffle (1960)
  5. JLG, Le Mépris (1963) 
  6. JLG, Le Gai Savoir (1969)
  7. JLG, Pierrot le Fou (1965)
  8. Entretien avec JLG, Parlons de Pierrot, Cahiers du cinéma (1965), Paru dans Godard par Godard- Les années Karina (1985) 
  9. Entretien avec JLG, Se vivre se voir, Le Monde (1980), Paru dans Godard par Godard- Des années Mao aux années 80 (1985)
  10. JLG, Lettre à mes amis pour apprendre à faire du cinéma ensemble, L'avant- scène cinéma (1967), Paru dans Godard par Godard- Les années Karina (1985)
  11. JLG, Pierrot mon ami (1965), Paru dans Godard par Godard- Les années Karina (1985)
  12. JLG, Manifeste, Press-book de La Chinoise (1967), Paru dans Godard par Godard- Des années Mao aux années 80 (1985)
  13. Entretien avec JLG, Godard chez les Feddayin, L'Express (1970), Paru dans Godard par Godard- Des années Mao aux années 80 (1985)
  14. JLG, Ici et ailleurs (1976)
  15. JLG (coréalisation), Loin du Vietnam (1967)
  16. Mao Zedong, Le petit livre rouge (1964), Paru dans La Chinoise (1967)
  17. JLG, Le petit soldat (1963)
  18. JLG, Masculin Féminin (1966)
  19. Paul Éluard, Capitale de la douleur (1926), Paru dans Alphaville (1965)
  20. Entretien avec JLG et Anna Karina (1987) 
  21. JLG, Alphaville (1965)
  22. JLG, Deux ou trois choses que je sais d'elle (1967)
  23. JLG, Vivre sa vie (1962)

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
أهالي معريا السوريّة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
26-12-2024
تقرير
أهالي معريا السوريّة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
بلدية طهران تتراجع عن تسمية أحد شوارعها باسم يحيى السنوار
استشهاد 5 صحافيّين بمجزرة إسرائيلية بغزّة  
إيران تتوعّد بإعادة بناء مقاومة جديدة بسوريا خلال عام
تعزيزات أمنية سورية لمواجهة «فلول الأسد» 
دبّابات الاحتلال الإسرائيلي تدخل وادي الحجير