مع اقتراب انتهاء «مهلة الحريري»، بدأ أسبوع الثورة المضادة.
بالتزامن مع ورقة الإصلاحات، سيبدأ خطاب الترويج للانهيار الاقتصادي والمالي إذا استمرت الاحتجاجات، ممزوجاً بشيطنة المحتجّين كعملاء للخارج وفاقدين لـ«إيتيكات» التظاهر. سيعود الإعلام إلى طبيعته الأولية، أي إلى بوق للنظام. تعميم حالة مارسيل غانم.
وتلاقيا مع هذه الورقة، سيبدأ البعض من المشاركين في احتجاجات «الويك أند» برفع شعار تحمُّل المسؤولية، إما من خلال طرح فكرة حكومة إنقاذية أو المطالبة المشبوهة بتدخّل الجيش. ثوّار «الويك أند» سيعودون إلى طبيعتهم الأولية، أي إصلاحيّي النظام. تعميم حالة المجتمع المدني.
ومن وراء هذه الورقة، سيتحرّك المدافع الفعلي عن العهد، أي «الجيش والشعب والمقاومة»، الثلاثية ذاتها التي أتت به، بعد مسلسل من العنف بدأ بلبنان ولم ينتهِ بسورية. «شعب العهد» سيتحرّك داعياً «جيش العهد» إلى فرض منع تجوّل. وإذا لم يكفِ هذا الخيار، هناك «مقاومة العهد» التي هدّد بها نصرالله المحتجّين لكي تفضّ الاعتصامات كما فضّتها في سورية من قبل. تعميم حالة 7 أيار.
الثورة المضادة متعدّدة المستويات ومعقّدة. أمّا الردّ عليها، فهو بسيط: الشارع. الرد بسيط، لأن الأمور بسيطة. وليس من دلالة على بساطتها إلا التحوّلات الجذرية التي دخلت حياتنا في أقل من أسبوع.
فللاستذكار فقط،
أين كنّا؟
كان جبران باسيل المرشّح الأقوى للرئاسة.
أمرنا فادي جريصاتي بالسكوت.
احترقت البلاد فاتّهم ماريو عون المسلمين بحرق أشجار المسيحيين.
ذهب ميشال عون إلى نيويورك في أكبر وفد رئاسي لأكثر دولة مديونة.
كان نبيه بري رمز الوحدة الوطنية وحسن نصرالله خطّها الأحمر ورياض سلامة محاسبها... كانت الليرة ستنهار وهم يتنافسون على حجم مواكبهم.
من الصعب استذكار أين كنا،
وأين أصبحنا.
انتفض الجنوب وتحوّلت رندة بري إلى 51٪.
انتفضت بيروت وأصبح جبران باسيل شتيمة.
انتفضت طرابلس ووجّهت تحياتها إلى حمص والضاحية في آن.
سقطت هالة نصرالله الذي تحوّل إلى ملحق لرأس المال.
انطفأت حرائق لبنان بمساعدة شباب سوريين وفلسطينيين، واحترق «باتشي» على أيدي لبنانيين، واحترق معه خطاب الكراهية الذي اعتدنا عليه منذ سنوات.
عاد اللبنانيون إلى بعضهم بعضاً بعدما كفّوا عن البحث عن دولتهم. والأهم أن بادية فحص لاقت ابنها إياد بعد فراق طال 11 سنة في ساحة الاعتراض في النبطية وفي وجه قمع السلطات الدينية وقوى الأمر الواقع.
هذا لبنان ما بعد 17 تشرين. ولا عودة عنه.
لم نعد نكترث بقرار الاستقالة أو الورقة الإصلاحية أو الانهيار الاقتصادي. بات ذلك خارج الموضوع، خارج الصورة. العصيان لم يعد مشروطاً بهم، بات قائماً بحدّ ذاته، بات هو الفرح، ويحق لنا بعد عقود من الخرا أن نفرح قليلاً. الفرح بسيط، عنوانه الشارع، والبقاء فيه في وجه الثورة المضادة، في وجه تعاستها وبؤسها وكراهيتها.
أهلاً وسهلاً بالثورة المضادة. فمهما اشتدّ القمع، لم نعد نكترث، وسنردّد هيلا هيلا هيلا هو…