تعليق ثورة تشرين
جوزيف سلّوم

الاستفزاز. المناطقية. الاندساس.

17 كانون الأول 2019

يقوم أركان النظام اللبناني بميليشياته وإعلامه بمهمة إحباط الثورة منذ بدايتها، ويزدادون شراسةً يومًا بعد يوم. في اليومين الماضيين، أسقطت السلطة على الاحتجاجات في وسط بيروت تناقضاتها الكثيرة التي كانت وما زالت تستخدمها لتبرير أي اعتداء لميليشياتها على المنتفضين. لكنّ خطابها تركّز على ثلاثيّة الاستفزاز، المناطقية، والاندساس.

يومَيْ السبت والأحد، أصيب أكثر من 76 شخصاً من ضمنهم إصابات جدية حيث تمّ استخدام الرصاص المطاط، بحسب لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين، «وقد أفاد عدد من المصابين أنهم تعرّضوا للعنف من قبل شرطة مجلس النواب ومكافحة الشغب وعناصر مجهولين بلباس مدني». كما تمّ سحب العديد من المتظاهرين إلى داخل ساحة مجلس النواب حيث تعرّضوا للضرب العنيف والتهديد والإذلال من قبل عناصر شرطة مجلس النوّاب. ولتبرير هذا العنف المفرط، لجأت السلطة إلى مفهوم الاستفزاز، استفزاز القوى الأمنية للاعتداء على المتظاهرين واعتقالهم.

لكنّ هذا الاستفزاز لم ينحصر بالقوى الأمنية وحسب، بل سرعان ما وجدت فيه ضالّتَها ميليشيات السلطة التي خرجت في وسط بيروت والنبطية وبعلبك في اليومين الماضيين بحجة الاستفزاز نفسها. فأحرقت الخيم في الساحات تحت شعار عدم المسّ برموز الطائفة، على خلفية فيديو قديم نُشر عمدًا، فيه شتم لرموز دينية وسياسية شيعية. وُضع الفيديو في خانة الاستفزاز، استفزاز «جمهور» حزب معيّن، غيّور على رموز حزبه وطائفته وشخصياته الدينية، ممّا دفعهم للخروج إلى الشارع «بعفوية» للتعبير عن غضبهم من التعرّض لزعمائهم.

لم يكن هجوم الميليشيا على الساحات يوم الاثنين، إلا عملًا بمبدأ الاستفزاز نفسه الذي اخترعته السلطة لحماية نفسها، الاستفزاز الذي يضع ضوابط للشتيمة والتعبير عن الغضب والاحتجاج. وقد سبق لحسن نصر الله ونبيه برّي أن وضعا أيّ شتم لهما في خانة استفزاز طائفة برمّتها. فالاستفزاز الذي تعزّزه الانقسامات الطائفية للسلطة، تحاول تلك الأخيرة إلباسه عمدًا للمتظاهرين لإحباطهم. فالثورة مستمرة، والزعماء خائفون على مصالحهم السياسية والطائفية، ومَن غير «الجمهور» الغيور لابتزازه؟


لاحقتْ تهمة استفزاز القوى الأمنية أيضاً المنتفضين الآتين إلى بيروت من مناطق طرابلس والبقاع وعكار. لكنّ السلطة وجدت في أولئك المتظاهرين فرصةً لرفع سلاح آخر، هو التجييش المناطقي. تجييش يحاسب أهل طرابلس والبقاع وعكار على وجودهم قرب ساحة النجمة، أي ساحة مجلس النواب الذي يضمّ نوّاباً ممثّلين عن الشعب من كل المناطق اللبنانية، ومنها تلك المناطق بالذات.

قام الإعلام هنا أيضًا بتعزيز خطاب السلطة، فانهال على المتظاهرين بسؤالهم عن سبب وجودهم في بيروت وليس في مناطقهم، معيدًا إنتاج السلطة وتعزيز مفهوم الاندساس. فأراد الإعلام أن يوحي بأنّ ساحات بيروت لم تكن لتشهد تلك المواجهات لولا وجود مندسّين، أي متظاهرين من مناطق لبنانية أخرى. فساهم الإعلام في تعزيز مفهوم الاندساس الذي تعمل السلطة على استخدامه مع كل موجة احتجاج تهدّد وجودها، من خلال شيطنة فئة معينة من المتظاهرين، حدث هذه المرّة أنّها جاءت من خارج بيروت للتعبير عن غضبها من السلطة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,754 شهيداً، 15,626 مصاباًمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان 
المصوّرة نان غولدين في برلين: عار عليكِ يا ألمانيا
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
24-11-2024
تقرير
من النبطية إلى صيدا: لدينا فرعٌ آخر
صواريخ حزب الله تُصيب مصنعاً في الجليل