قضية الأسبوع انتخابات رئاسية
ميغافون ㅤ

الانتخابات الرئاسيّة بين استحالتَيْن

10 حزيران 2023

تقع الانتخابات الرئاسية الحالية بين استحالتَيْن، أو حدَّيْن، يضبطان معانيها واحتمالاتها. الأولى تتمثّل بمشروع هيمنة حزب الله. أمّا الثانية، فهي واقع الانهيار الاقتصادي والمالي. تحاول القوى السياسية المتنافسة تجاهل استحالة من الاستحالتين، ما يشير إلى رغبة للعودة إلى اصطفافات الماضي. لكنّ هذين الموضوعَيْن باتا اليوم «استحالات»، لذا فإنّ أيّ مشروع سياسي لا يمكن إلّا وأن يشتبك معهما، سويّةً، وإمّا أن يخرج عن السياسة والواقع. إذا كان هناك من معنىً للاستحقاق الرئاسي، فهو في ابتكار سياسة قادرة على التعاطي مع هاتين الاستحالتين في الآن نفسه.    


استحالة السياسة في ظلّ هيمنة حزب الله

لم يعد خافيًا على أحد أنّ حزب الله ومشروع هيمنته على النظام اللبناني باتا استحالةً تواجه السياسة، ما يعني أنّ أيّ مشروع سياسي يتجاهل هذا المعطى، يحكم على ذاته بالخروج عن السياسة. 

ترسّخ صعود مشروع هيمنة حزب الله من خلال استعماله للعنف، داخليًا ابتداءً من العام 2005، وخارجيًا مع حروبه الإقليمية، وأهمّها مشاركته بالحرب على الشعب السوري إلى جانب نظام الأسد. العنف لم يشكّل أداة الحزب الوحيدة. كان هناك العنف المنظّم، والماكينة الحديدية، والجمهور المتأهّب، والمحور المتجانس، وهي كلّها ميزات جعلت الحزب يسيطر على إيقاع السياسة اللبنانية وحدودها. 

لا يلعب حزب الله كسائر الفرقاء اللبنانيين، وإن كان العديد منهم يطمحون ليصبحوا «ميني حزب الله». وفي تجاهل هذا المعطى سذاجة قاتلة. 

يقارب حزب الله الانتخابات الرئاسية المقبلة كاستكمال لهذا المسار الذي تعثّر بالمرحلة الأخيرة، جراء الاعتراض الداخلي، والذي بدأ مع «ثورة تشرين» والتحوّلات الإقليمية وانهيار تحالفاته السياسية. ترشيحه لسليمان فرنجية هو تأكيد لمشروع الهيمنة. فرنجيّة من صلب المنظومة، متورّط بفسادها، حامي مطلوبين بإحدى أكبر الجرائم، صعد بالسياسة كالطفل المدلّل للنظام السوري، يفتقد لأي شرعية شعبية أو ميثاقية بعدما أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة اختصار كتلته الانتخابية لنائب واحد. لا يقدّم هذا المرشّح للحزب أي غطاء أو بعد سياسي. هو، وباعترافه، تابع بالكامل لمحور الممانعة. مع ترشيحه، يستكمل حزب الله استيلاءه على النظام، محوِّلاَ منصب الرئاسة إلى أداة إضافية بترسانته. 

في ظلّ مشروع هيمنة كهذا، مشروع يستغلّ العنف لإقصاء الخصوم، لا سياسة ممكنة إلّا السياسة التي تنطلق من مقاومة هذا المشروع، وبالتالي رفض أداته الرئاسية. 


رفض «منطق التسوية»

لكنّ هذا الكلام ليس جديدًا. فمشروع هيمنة حزب الله بدأ منذ عقود، وكذلك محاولات معارضاته. 

شكّلت تجربة 14 آذار أحد نماذج الاعتراض على حزب الله، وانتهت بالفشل. هناك أسباب عديدة تفسّر هذا الفشل، من تورط أركان أساسيين من هذا التحالف بنظام الفساد أو ارتهانهم لقوى خارجية، وصولًا إلى استغلال البعض للخلاف مع حزب الله من أجل تبرير صفقاتهم أو تسوياتهم. 

ليس هنا المكان لإعادة تقييم تلك التجربة، لكن من المهمّ في هذه اللحظة الرئاسية العودة إلى «منطق التسوية» الذي نطالب باتباعه عند كل تنافس مع الحزب. فقد انتهت تجربة 14 آذار عندما تبين أنّ معظم شعاراتها تمّت التضحية بها بإسم أولويّة الصراع مع الحزب، لتتحوّل إلى مجرّد تبريرات لسياسات النظام المعتادة. هذا قبل أن «يساوم» أهمّ أركانها، من بينهم الحريري وجعجع، بتسويات مشبوهة، عمّقت مشروع الهيمنة، وقدّمت له رئاسة الجمهورية. من المهمّ التذكير بهذا التاريخ لأنّه حاضر اليوم بمحاولات «المعارضة الرسمية» إعادة إحياء «منطق التسوية» هذا، من خلال التوافق على مرشّح، صفته الوحيدة أنّه ليس مرشح حزب الله. 

لا ينبع رفضنا لهذا «المنطق» من تجارب الماضي وحدها، كما أنّه ليس تعبيرًا عن طهرانية سياسية ترفض أي مساومة أو تكتيك. هذا المنطق مرفوض اليوم لأنّه غير واقعي لاصطدامه بالاستحالة الثانية، وهي واقع الانهيار المالي والاقتصادي. 


استحالة السياسة في ظل الانهيار الاقتصادي

من خلال ترشيحها لوزير مالية سابق هو جهاد أزعور، كان على الأقلّ شاهدًا على السياسات التي أتت بالانهيار، وبغياب أي رؤية اقتصادية لمواجهة الانهيار، وبوجود أطراف في هذه المعارضة ما زالت تحاول تبييض صفحة المصارف، قرّرت «المعارضة الرسمية» تجاهل واقع الانهيار الاقتصادي واعتباره معطى لا أثر له على استحقاقات سياسية كالاستحقاق الرئاسي. 

لكنّ الانهيار الاقتصادي بات «استحالة»، بمعنى أنّ أي مشروع سياسي يتجاهل مركزيته، يحكم على ذاته بالخروج من السياسة. فإذا اعتبرنا أن مقاومة عنف حزب الله هي من أُسس أي مشروع سياسي، علينا، بعد عام 2019، اعتبار أن ما من سياسة ممكنة إن كانت لا ترى في عنف الانهيار الاقتصادي أساسًا لها أيضًا. ليس من الضروري وصف مدى وعمق التحوّلات التي أدخلها هذا الانهيار على المجتمع اللبناني وخطورة أي حل غير عادل على مستقبل البلاد. أي مشروع سياسي يعتبر تلك الأمور ثانوية، يكون قد خرج عن الواقع. 

ماذا يعني عمليًا «منطق التسوية» الذي تطالب «المعارضةُ الرسمية» الجمهورَ المعارض به، في ظلّ استحالة الأزمة الاقتصادية؟

  1. يعني تعليق منطق محاسبة المسؤولين عن الانهيار وعن تدمير حيوات آلاف اللبنانيين بإسم معارضة حزب الله، وكأنّ لا إمكانية لجمع هذين الرفضين. 
  2. يعني إفراغ المؤسسات الرسمية واستحقاقاتها من أي مسؤولية تجاه هذا الحدث الضخم، وكأنّ معظم القوى السياسية ما زالت تعوّل على أنّ هناك حلًا سحريًا سيأتي من خارج لبنان ومؤسساته، وليس عليها حتى أنّ تأخد موقفًا منه.
  3. يعني أخيرًا انفصال هذا الاستحقاق عن الواقع. نعيش يوميًا على إيقاع انهيار مالي واقتصادي، لكنّ هذا الانهيار غير ممثّل بالاستحقاق الرئاسي.

انتخابات رئاسيّة لإطلاق مشروع سياسي مختلف

حزب الله يقول لنا: لا انهيار ولا فساد ولا عدالة ولا اعتراض، مرشّحي هو مرشّح سلاحي، وهذا هو الموضوع الوحيد. «المعارضة الرسمية» تردّ عليه: لا انهيار ولا مشروع تعافٍ اقتصادي ولا اعتراض متعدّد الأبعاد، مرشحك هو مرشح السلاح، وهذا هو الموضوع الوحيد. 

من هنا، يبدو خيار «المعارضة الرسمية» وكأنّه آتٍ من معادلات ما قبل الـ2019، حيث كان مقبولًا السير بمرشح، كان بالحد الأدنى شاهدًا على السياسات الاقتصادية الماضية وقد يشكّل استكمالًا لبعضها، وبغياب تامّ لأي رؤية اقتصادية عند التحالف الذي رشّحه.

ليس هناك من مواصفات مثالية لمرشح الرئاسة، كما حاول بعض النواب «التغييريين» البحث عنها عبثًا. وليس هناك من طهرانية أخلاقية برفض الخيارات المقدّمة لنا، وكأنّ من يرفض ألاعيب القوى البرلمانية ساذج، ينتمي لعالم من المبادئ لا مكان لها في بلادنا. ربّما كان الساذج هو من يحاول تكرار رهانات خاسرة بإسم البراغماتية.

موقف المطالبة بسياسة تنطلق من هاتين الاستحالتين، وتحوُّل كل استحقاق إلى محاولة لبناء سياسة تنطلق منهما وتعيد الربط بين حياة الناس المنهارة على إيقاع الأزمة وسياسة مؤسسات الدولة، هو الحدّ الأدنى المطلوب للتعاطي مع الاستحقاق الرئاسي. كما هو المدخل لسياسة واقعية، قادرة أن تؤسّس لمشروع يستمرّ أبعد من تاريخ الانتخاب. 

من دون هذا العمل على توسيع مفهومنا للسياسة، ستبقى انتخابات الرئاسة منافسة بين نادي رجال السلطة، وخوفنا أنّها ستنتهي بتسوية جديدة ستعمّق هيمنة حزب الله من جهة، وحدّة الانهيار المالي من جهة ثانية. وقد تكون الحقيقة الوحيدة التي أظهرتها الانتخابات الرئاسية حتى اليوم، هي أنّ الطبقة السياسية اللبنانية فاقدة لأي علاقة مع واقعها. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان