قضية الأسبوع جوزاف عون
ميغافون ㅤ

جوزاف عون: فرصة ممكنة ومخاوف مشروعة

11 كانون الثاني 2025

بعد أكثر من سنتين من الشغور الرئاسي، «توافق» مجلس النواب على إسم لانتخابه رئيسًا للجمهورية. لم يتطلب الأمر سنتين من التفاوض، بل سنتين من التركيع ودفع البلاد إلى الهاوية والحروب والانهيارات والدمار لكي يقتنع سياسيّو لبنان بأنّ لا مفرّ من انتخاب رئيس، أي رئيس. على مضض، توجّه النواب إلى المجلس، وتحت مراقبة دولية، قاموا، بعد عناد الدورة الأولى، بمهامهم الدستورية. لكنّ انتخاب رئيس للجمهورية قد يكون أسهل محطة على طريق النهوض. 

الرئيس الجديد، المدعوم خارجيًا والمحاط داخليًا بقوى سياسية لم تُرِدْه أصلا، سيواجه عراقيل وصعوبات من اللحظة الأولى. فمعظم الملفات الطارئة على عهده، من ملف السلاح إلى ملف الإصلاح الاقتصادي، هي ملفات خلافية وتتطلب مواجهة مصالح متجذّرة بالنظام اللبناني. والخوف هو أن يعوّض «الرئيس الإصلاحيّ» فشله أو ضعفه الداخلي بانزلاقات أمنية وقمعية، كالتي شهدناها مع من سبقه من قادة الجيش الذين تحوّلوا إلى رؤساء لجمهوريّة مأزومة. 


طبقة سياسية فاقدة للأهلية

قبل الرئيس، هناك مشهد جلسة الانتخاب، الذي «فضح» مدى فقدان الأهلية السياسية لـ«رجال الحكم» في لبنان. نواب يتذاكون بالتصويت، آخرون يستفرغون أشنع العبارات الذكورية، نقاشات دستورية تنحلّ «بالأمليّة»… بَرهنَ نوّاب لبنان أنّهم غير مؤهَّلين للقيام بأبسط أدوارهم الدستوريّة. وقد تعاطى العالم معهم بصفتهم كذلك. «فُرِض» التصويت عليهم، خارجيًا، بعدما عارضوا هذا الواجب أكثر من سنتين، غير آبهين بالانهيار الاقتصادي والحرب وتحلُّل أبسط مؤسسات الدولة. 

كان موفد الرئيس الفرنسي، جان إيف لودريان، واضحًا في كلامه: 

هناك توافق دولي حول قائد الجيش، وبما أن اللبنانيين طلبوا مساعدتنا، فعليهم أن يلتزموا بموقف الخماسية، لأنّ عدم انتخاب رئيس سيأخذ البلد إلى مرحلة خطيرة، وهناك قرار بإحجام الخارج عن تقديم الدعم للبنان في حال استمرار الفراغ. 

السيادة ليست حقًا، هي قدرة تُكتسَب. وأظهرت الطبقة السياسية اللبنانية أنّها فاقدة لأبسط شروط السيادة. فاستبدلتها بمسرحية سيادية وكلام فارغ عن الدستور، لكنّ هذه المسرحية لم تخفِ أنّ هذا الانتخاب هو برهان فشل هذه الطبقة السياسية. 


مرّةً جديدة، قائدٌ للجيش

جاء الانتخاب المؤجَّل سنتين على أرض محروقة، انتركت تحترق حتى رضخ سياسيّو لبنان. فجاء، كالعادة، «رئيس منقذ» من مؤسّسة الجيش، محمولًا بوعود خارجية للمساعدة. فالنظام اللبناني، الذي افتخر لعقود بـ«مدنيّة» سياسته التي شكّلت «السيادة» عنوانها الأساسي، لم يجد إلّا قائداً للجيش للخروج من المأزق. وبات هذا «الاستثناء» التقليد المهيمن في عملية انتخاب رئيس للجمهورية المأزومة، يضع الرئيس في وجه طبقة سياسية، كالمنقذ الذي غالبًا ما لا ينقذ. 

ورغم مظاهر الابتهاج، من الواضح أنّ الطبقة السياسية اللبنانية لم تُرِد هذا الرئيس. فالتيار الوطني الحر واضح بمعارضته. أمّا الثنائي الشيعي، فكان الامتعاض من خطاب القسم ظاهرًا على أوجه نوابه. لكن حتى القوات اللبنانية، والتي فهمت أنّ الرئيس بات منافسها الأول، تتحضّر للتمايز عنه. ربّما لن يجد هذا الرئيس دعمًا داخليًا إلّا عند بعض أيتام «ثورة تشرين» الذين وجدوا في خطابه وعودًا إصلاحية من فوق، وعند فعاليات مسيحية رأت فيه مخرجًا من هيمنة الأحزاب المسيحية. 

لكنّ هذه العزلة الداخلية هي في صلب مشروع هكذا رؤساء، قادمين من المؤسسة العسكرية لمحاربة فساد الطبقة السياسية. فالصورة المؤسسة لهذا النموذج هي تجربة فؤاد شهاب، والتي أظهرت تضارب الإصلاح مع مصالح الطبقة السياسية، وسهولة الانزلاق القمعي لمواجهة هذه المصالح وشبكاتها الزبائنية. ورغم أنّ خصم الرئيس، أي الطبقة السياسية، فاقد للأهلية السياسية، فالعسكر أيضًا يشكلون خطرًا، لا يمكن تجاهله في لحظة ابتهاج شعبية. فالصورة قد تكون فؤاد شهاب، لكن هناك صورة أخرى، وهي صورة إميل لحود. والانزلاق من الأولى إلى الثانية سهل، خصوصاً وأنّ القوى السياسيّة اللبنانية (باستثناء القوّات اللبنانية)، هذه المرّة، هي في مرحلة تآكل. 


خطاب القسم

ربّما من المبكر إبداء التخوّف من رئيس لم يكن له تجارب كثيرة في الداخل اللبناني. فمسيرته، على الأقل منذ عام 2015، تركته خارج البازار السياسي الداخلي، وكالراعي الأمني لمؤسسات تنهار أو لحروب لا دور لمؤسسته فيها. لذلك، ربّما، قدّم الرئيس الجديد نفسه كخارج عن المنظومة وكدليل لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد. فهو، كما قال، الرئيس الأول بعد المئوية الأولى لقيام لبنان الكبير. لكن الأهم، هو آت بعد زلزال شرق أوسطي، تصدّعت فيه تحالفات وسقطت أنظمة وقد تتغير حدود. وبهذا المعنى، لم يُخفِ الرئيس الجديد دوره كالرئيس الأول منذ الحرب الأهلية الذي يخرج عن وصاية النظام السوري أو محور الممانعة. 

لذلك، ربّما، شكّل الشقّ المرتبط بحزب الله أهمّ محور في خطابه. فالخطاب هو دعوة لطيّ صفحة الماضي، محمولة بوعود إعادة الإعمار. فقد بدأ الرئيس الجديد بالقول إننا عند الشدة نحضن بعضنا البعض وإذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعا، مرفقًا الدعوة بعهد إعادة ما دمّره العدوّ الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان. لكن مقابل هذا، لا سلاح خارج الدولة، وهي عبارة كرّرها عدّة مرات خلال خطابه، بخلاف عبارة «المقاومة» التي لم تُذكَر في الخطاب. العهد الجديد هو عهد ما بعد الحرب الأخيرة، عهد القرارات الدولية واتفاق الهدنة و«الحياد الإيجابي»، عهد من استرجع مهامّ منع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان من المقاومة إلى الجيش اللبناني. أو على الأقلّ، هذا هدف الرئيس الجديد، وإن كان غير واضح كيف سيقنع «المقاومة» على التخلي عن دورها. 

أمّا الشق الآخر للخطاب، فكان عن وعود بناء دولة قانون بعد مرحلة انحلال قانوني طويلة. فقد ركّز الخطاب على القانون والقضاء، وضرورة الإصلاح الإداري، وطالب بالمداورة في وظائف الفئة الأولى وبقانون لاستقلالية القضاء وغيرها من شعارات الإصلاح التي باتت تملأ التقارير. لم يتطرق للأزمة الاقتصادية إلّا من باب حماية أموال المودعين، وضرورة إخضاع القطاع المصرفي للرقابة القانونية. لكن هنا أيضًا يبقى السؤال عن كيفية مواجهة شبكة المصالح التي استطاعت حتى الآن معاندة أيّ إصلاح.

قد يشكّل هذا الخطاب توصيفاً دقيقاً للمشاكل التي تواجه البلاد، وربّما كان أوّل خطاب رسمي يقدّم صورة واقعية كالتي قدّمها. لكنّ السؤال عن كيفية مواجهة هذه التحدّيات، والخوف من انزلاق أمني يحوم فوق الخطاب. انزلاق أمني أو رضوخ تامّ للداعمين الخارجيين. فقراءة عبارة

أن نبني شراكات استراتيجية مع دول المشرق، والخليج العربي وشمال إفريقيا، وأن نمنع أيّ تآمُر على أنظمتها وسيادتها، وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي، وألا نصدّر لها سوى أفضل ما لدينا من منتوجات وصناعات…

بعد يوم على ترحيل المعارض المصري عبد الرحمن القرضاوي إلى الإمارات، لا تنذر بمرحلة مشرقة للحريات الإعلامية والسياسية.


فرصة؟

في موقعه كخارج عن القوى السياسة المحلية، هناك فرصة لجوزاف عون، قد لا تطول، لفرض بعض الإصلاحات التي تتطلّب مواجهة مصالح متشعّبة، كشبكة المصارف أو معرقلي التحقيق بانفجار المرفأ وغيرها من الشبكات التي أوصلت البلاد إلى هذا الحد من الجمود. في هذا الخروج عن الإجماع الزائف، فرصة أيضًا في استعمال هذا الرصيد السياسي لحماية المستضعفين والمهمشين، الذين يخضعون لعنف اجتماعي وسياسي. وفي هذه المسافة من يوميات السياسة المحلية، إمكانية لبناء مؤسسات قد تستمر إلى ما بعد العهد الجديد. 

هناك فرص، لكن هناك أيضًا خطر. خطر من سيرى بأيّ انتقاد أو اختلاف خطراً على مسيرة الإصلاح من فوق، على الأجهزة الأمنية مسؤولية القضاء عليه. خطر من سيرى نفسه كمنقذ ليس لديه إلّا سلطته التنفيذية للتخلص من معارضيه. خطر مَن لن يستطيع مواجهة الخارج عندما تستدعي الأمور ذلك، حفاظًا على المبادئ التي قامت عليها البلاد من احترام الحريات والنقد والتعبير. خطر من سيفهم الدعم الشعبي كدعوة لرجل قوي يعيد فرض النظام العام، أمنياً وأخلاقيا واجتماعياً، إي الانزلاق الفاشي الذي نراه حول العالم. 

خطاب القسم لن يجيب على سؤال أي مقطع علينا التركيز عليه، مقطع الفرص أو مقطع المخاوف. للإجابة، علينا انتظار بعض الوقت، متأمّلين ألا يكون هذا الانتظار بعد فوات الآوان. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
قضية الأسبوع

جوزاف عون: فرصة ممكنة ومخاوف مشروعة

ميغافون ㅤ
شكوى أمام القضاء الفرنسي: ميقاتي شريك سلامة بتبييض الأموال
10-01-2025
حديث
شكوى أمام القضاء الفرنسي: ميقاتي شريك سلامة بتبييض الأموال
حدث اليوم - الجمعة 10 كانون الثاني 2025
10-01-2025
أخبار
حدث اليوم - الجمعة 10 كانون الثاني 2025
دونالد ترامب: أوّل رئيس أميركي مُدان جنائياً 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 10/01/2025 
هجوم إسرائيلي- أميركي- بريطاني على اليمن