شكّلت الانتخابات الجامعية، ولا سيّما انتخابات الجامعة اليسوعية، أوضح برهان على ضرورة الانحياز من جديد إلى شعار «كلن يعني كلن» وجدواه السياسية. فانتصرت قوى الثورة الرافعة لهذا الشعار، رغم محاولات السلطة وأحزابها تحوير المعركة وطرح عناوين فئوية لتخويف الناخبين. وحاولت تلك القوى شيطنة «النادي العلماني» من خلال اتهامه بمناصرة حزب الله أو بتدمير «جامعة بشير»، متجاهلين خطاب النادي الواضح المنبثق من حقوق الطلاب الجامعية الاجتماعية والاقتصادية. تمسّك النادي بخطابه وبشعار «كلن يعني كلن»، الشعار الذي رُفِع في ثورة تشرين، وانتصر بالانتخابات.
انطلاقًا من هذا الحدث، لا بد من إعادة التمسّك بهذا الشعار، كمدخل لعزل قوى السلطة ولكن أيضًا كأرضية لتشارك وتقاطع المطالب الإجتماعية على اختلافها.
فالهدف الأول من وراء هذا الشعار هو منع قوى السلطة من التسلّل لساحات الاحتجاج تحت شعارات فئوية. وهذا كان المنطلق الأول لرفع الشعار كصمام أمان في وجه كافة الأحزاب التي حاولت ركوب الثورة. وهذا كان من خلال التمسّك بكامل المطالب ورفض تجزئتها. فرفع أولية محاربة الفساد حصرًا كان محاولة للتيار الوطني الحر للهروب من مسؤوليته، كما شكّلت أولوية السلاح على حساب أي شعار آخر عذراً للانزلاق إلى خطاب قوى 14 آذار. وكان رفع شعار إسقاط رياض سلامة وحصر المسؤولية به، في أول أيام الثورة، محاولة حزب الله للتسلّل إلى الثورة. فالتمسّك بكامل الشعارات شكّل الضمانة لعدم انحياز الثورة إلى أي طرف.
لكنّ هذا التمسّك التكتيكي بشعار «كلن يعني كلن» بات مدخلًا لتفسير أخلاقيّ لهذا الشعار مفاده عدم تحييد أو تقدّم أي أولوية على غيرها. في هذا السياق، يقول منظّر اليسار الجديد الأرجنتيني إرنستو لاكلو أنّه يجب ربط المطالب المختلفة بالتركيز على معارضة لعدوّ واحد مشترك. فأولويات ومطالب الناس يجب ألا تتجزّأ منعاً لاستفراد السلطة بكل جزئية على حدة، ولكن ما قد يكون أهم، هو أنّ توحيد القضايا هو الأرضية لفهم ترابط الصراعات وتشابك ضحايا هذا النظام.
فالوضوح والجذرية في شعار «كلن يعني كلن» هو أساس لتوحيد ضحايا التمييز المختلفين ولتشابك قضايا المهمّشات والمهمّشين، والمقصيّات والمقصيّين، وكل انسان موجوع يعاني من اي نوع من أنواع التمييز الاقتصادي والاجتماعي. فالغاية من هذا الشعار ليست فقط منع تسلّل أحزاب السلطة إلى ساحات الثورة، بل أيضًا رسم معالم هذا النظام بأبويته ورجعيته وذكوريته وطائفيته. إنّه مدخل لفهم طبيعة هذا النظام الذي نواجهه.
ليست جذرية هذا الخطاب سياسية فحسب، بل أخلاقية أيضاً. إنّها جذرية مَن ينطلق من وحدة الصراعات لكي يصل إلى حياة أكثر إنسانية وعدالة.