قضية الأسبوع طوفان الأقصى
ميغافون ㅤ

العودة إلى الإبادة

2 كانون الأول 2023

الصاروخ الأوّل بعد الهدنة الأخيرة

عادت الحرب صباح يوم الجمعة، بضع دقائق بعد انتهاء هدنة الأسبوع. عاد القصف والغارات والإبادة بعد استراحة بضعة أيام. عادت صور الأشلاء والأطفال والمباني المدمّرة. لكنّ للعودة طعم مختلف، طعم الإبادة الباردة، المخطّطة، المعدّة سابقًا. إبادة مطبّعة، تأخذ استراحة قصيرة قبل أن تنكبّ مجدّدًا على ضحاياها. إبادة تعود بعنف أكبر لكونها باتت جزءاً من الحياة اليومية. إبادة تتّكل على عودتها لكي تقضي على أسابيع الاستنكار العالمي لها، لكي تقول لملايين المعترضين أنّها لا تبالي بأي رأي عام أو ضوابط أخلاقية أو قوانين إنسانية. 

عادت الإبادة لكي تقول إنّها لن تُردَع بهذه السهولة.


انزعاج إسرائيليّ من الهدنة

علينا العودة وسحق غزّة بكل قوّتنا وتدمير حماس واحتلال القطاع من دون تنازلات ولا صفقات، بالقوّة القصوى فقط. 
إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي 

تذرّعت حكومة الاحتلال بـ«صواريخ» أُطلقت من غزة إلى الغلاف، لتعلن انتهاء الهدنة واستكمال الأعمال الحربية في القطاع، وذلك رغم أنّ جيش الاحتلال خرق اتفاق الهدنة الخميس على مستويات مختلفة: سيّر طائرات حربية فوق القطاع، وقصف من البرّ والبحر مناطق في جنوب القطاع وشماله، في نيّة مبيّتة لاستكمال الإبادة. 

كما زعمت حكومة نتنياهو أنّ حركة حماس أخلّت بالاتفاق الأولي لإطلاق الأسرى، والذي ينصّ على تبادل النساء والأطفال. فاتّهم الاحتلال الحركة بالامتناع عن تسليم 20 من الأسرى النساء، في حين تؤكد فصائل المقاومة أنّ النساء المعنيات بالطلب الإسرائيلي مجنّدات في الجيش وقد أسر بعضهنّ حتى داخل مواقع أو آليات عسكريّة. 

وفي مؤشر آخر يؤكد سعي الاحتلال إلى نسف الهدنة المؤقتة، رفض نتنياهو وحكومته عرض فصائل المقاومة بإطلاق أسرى كبار السنّ وجثامين أسرى آخرين قتلهم الاحتلال خلال عدوانه على القطاع. ومن بين هؤلاء جثامين عائلة يردن بيباس الذي بثّت حركة حماس الخميس فيديو له، يطالب فيه نتنياهو بإعادة جثامين زوجته وطفلَيه ليدفنوا في الأراضي المحتلّة. كما اقترحت حماس تحرير يردن ليشارك بمراسم دفن عائلته. إلّا أنّ نتنياهو وحكومته رفضوا المقترحات. 

فبدا واضحًا نيّة دولة الاحتلال نسف الهدنة التي كانت بمثابة انتكاسة لمشروعها العسكري.


الضوء الأخضر الأميركي

ما زلنا نعتقد أنّ لدى إسرائيل الحقّ والواجب في مطاردة حماس. لقد قالوا بوضوح: عند توقّف الهدنة، إنّهم ينوون العودة إلى ذلك. سيستمرّون في تلقّي الدعم من الولايات المتّحدة بشأن الأدوات والقدرات وأنظمة الأسلحة التي يحتاجونها. 
جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي. 

عبّر المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كوربي، بوضوح عن الموقف الأميركي حين كرّر، مساء الخميس، أنّ الولايات المتحدة لا تدعم وقفاً دائما لإطلاق النار الآن، لكنّها ترغب في رؤية تمديداً للهدنة الإنسانيّة ليس إلا. ولم يتردّد كوربي في طمأنة إسرائيل- في الوقت الذي كانت مفاوضات تمديد الهدنة لا تزال جارية- بأنّ الدعم العسكري واللوجستي الأميركي سيكون موجوداً كالعادة عندما ترغب إسرائيل في العودة إلى الحرب.

اللافت أنّ هذا «التشجيع» الأميركي للعودة إلى الحرب، يترافق مع عِلمٍ أميركيّ تامّ بأنّ المرحلة الثانية من العدوان ستطال هذه المرّة جنوب قطاع غزّة، أي المنطقة التي نزح إليها معظم سكّان الشمال الذي شهد أقسى جولات المرحلة الأولى بحجّة أنّه يشكّل معقلاً لحماس. لكنّ ذلك لم يزحزح الموقف الأميركي إلا لناحية التشديد على حماية المدنيّين في الجنوب، وهو ما جاء على لسان كوربي نفسه وكذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إضافةً إلى تسريب مضمون اتّصال بين نتنياهو وبايدن تعهّد فيه الأوّل بإطلاع بايدن على ما تحضّره إسرائيل على الجبهة الجنوبيّة من القطاع.

حتّى حين حاولت الولايات المتّحدة إعطاء مهلة زمنيّة للعدوان المتجدّد، فإنّها تصرّفت بسخاء مع سلطات الاحتلال، فمنحتهم «أسابيع» جديدة وليس «أشهراً» كما أصرّ بعض الوزراء الإسرائيليّين، وذلك بذريعة خسارة الدعم الدولي، أو على الأقلّ هذا ما رشح عن يوم الخميس الطويل الذي أمضاه بلينكن في تل أبيب، والذي تخلّله اجتماع مع حكومة الحرب الإسرائيلية. 


انتكاسة الدور القطري

نجحت قطر في العودة إلى المعادلة الفلسطينيّة منذ بدء هذه الحرب، من بوّابة علاقتها المميّزة بحركة حماس من جهة، وبالولايات المتحدة الأميركيّة من جهة أخرى. وبالفعل، أثمرت الجهود القطريّة في التوصّل إلى التفاهم الأخير حول الهدنة الإنسانيّة وتبادل الأسرى. وبطبيعة الحال، كان من البديهي أن يُعتبر هذا الدور إنجازاً لقطر التي توجّست قبل أسابيع قليلة من بدء الحرب من حديث السعوديين عن تسويات في الملف الفلسطيني، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وبالتوازي مع اتفاقيّات التطبيع التي يتم العمل عليه.

على أنّ هذا الإنجاز الدبلوماسي المحدود الأفق، سرعان ما اصطدم بوقائع الميدان، بعد انتهاء آخر لحظات الهدنة صبيحة يوم أمس الجمعة. فحركة حماس تملك خطوطها الحمراء، لناحية رفض ربط الإفراج عن المجنّدات بصفقات التبادل المتواضعة الراهنة، لكون الحركة تربط أي إفراج عن الجنود الإسرائيليين بصفقات طموحة يفترض أن تؤدّي إلى تصفير السجون الإسرائيليّة. أمّا إسرائيل، فما زالت حتّى اللحظة تملك بنكاً من «الأهداف» الميدانيّة على مستوى التوغّل البرّي في قطاع غزّة، ما يحتّم عليها العودة إلى المعركة عاجلًا أم آجلًا، كما تؤكّد حكومة الاحتلال. 

عند هذا الحدّ، تعثّر مسار الهدنة التي نجحت قطر في تمديدها لسبعة أيّام متواصلة. وقد لا تكون مهمّة الوسيط القطري المقبلة بنفس سهولة مهمّته السابقة التي اقتصرت مفاعيلها على تبادل الأسرى والرهائن من فئتي الأطفال والنساء.


التوسّع في المكان والزمان

ربّما كانت الدلالات الأساسية لعودة الحرب هي في الميدان. 

استأنفت إسرائيل قصفها في جنوب غزة، «المنطقة الآمنة» سابقًا حيث دُعِيَ أهل غزة للّجوء إليها هربًا من القصف في الشمال. كما طالبت قوّات الاحتلال أهالي بلدات في خانيونس بالتوجّه جنوباً باتجاه رفح. لم تعُد الإبادة إلى المكان الذي انتهت إليه قبل أسبوع، بل وسّعت حربها إلى معظم القطاع، لتصبح واضحة نيّة التهجير لدى سلطات الاحتلال. ففشل أهداف نتنياهو الثلاث في المرحلة الأولى من الحرب، لم يدفعه إلى مراجعة تلك الأهداف، على ما يبدو، بل بالعكس دفع بالماكينة الحربية إلى تصعيد طموحاتها، نحو توسيع رقعة الاشتباك ودفع أهل القطاع نحو التهجير. 

التوسّع في جغرافيا الإبادة يقابله امتداد في أفقها الزمني. فعودة الحرب، بعد محاولات تثبيت وقف إطلاق النار وتبادل تدريجي للأسرى والرهائن، لم يعد يضبطها أفق سياسي. لم تعد غاية الحرب هي التفاوض في السياسة، بل باتت هي الهدف بحد ذاتها. فلم يعد توسُّع جغرافيا القتل مضبوطًا بأي أفق تفاوضي، ما ينذر بامتداد للقتل اللامحدود في الزمن. 

العودة إلى الحرب ليست كبدايتها، هي تأكيد بأنّ القتل لن يتوقّف قريبًا. 


الاعتراض على الحرب العائدة

ربّما كان من أهداف عودة الحرب الاتّكال على تعب المعترضين عليها، أولئك الذين ربّما تعبوا أو سئموا أو ابتعدوا عن الحدث بعد أسبوع من الهدنة. فرغم التفوّق العسكري الإسرائيلي من جهة، والدعم اللامشروط لعدد من الحكومات للحرب، اصطدمت الحملة الإسرائيلية بموجة اعتراض شعبي عالمي فرض على بعض الحكومات إعادة البحث بدعمها أو على الأقلّ ضغط عليها وأحرجها. وكان انزعاج إسرائيل من هذا الرأي العام واضحًا، خاصة بعد فشلها في استمالته.  

في وجه استحالة كسب هذا الرأي العام، تحاول إسرائيل «تطبيع» حربها، أي تحويلها إلى خبر «عادي» في الحيّز العام، مثله مثل حرب أوكرانيا، لم يعد يحرّك رأياً عاماً. فنجاح عودة الحرب إسرائيليًا يشترط خفوت القضية عالميًا، وهذا ما ستظهره الأيام المقبلة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر