هزُلت والله… قاضي محكمة طرابلس الشرعية، طرابلس «مدينة العلماء»، يقول حرفياً بالولاء الديني لـ«الله ثمّ للمنهج الحريري».
كانت دماثة الثوّار وحجّتهم القويّة تحت قبّة المسجد في طرابلس قد أظهرت لنا قبل أسابيع ضعف موقفه وخروجه عن أخلاق الأئمّة والعلماء، ولكنّ ولاء عبد المنعم غزاوي للإمامة الحريرية يبدو غالباً على تمسّكه حتى بالمسلّمات الدينية في الشرع الذي يدّعي وأمثاله تجسيد سلطته.
نقول هذا قبل أن نخوض حتى في ما يعنيه فعلاً بهذا «المنهج». فكيف يكون الولاء من بعد الله، لا للنبيّ ولا للمرسلين ولا للأئمّة، بل لمشايخ آل الحريري؟ هل صار لهولاء مذهبٌ فتولّاهم غزاوي قبل الشافعي أو أبي حنيفة مثلاً؟ ما قول الحريرية في حكم الربا مثلاً؟ وما قول شبّيحتهم في حكم الاعتداء على الآمنين؟ أي شرعية دينية يمثّل هؤلاء ليكون لهم على قاضي مدينةٍ كطرابلس وجوب الولاء بعد الله؟
سورة المائدة:55
لكنّ المهزلة ترافق أختها المهزلة في بيت الوسط، الذي كدنا نظنّه البيت الحرام من حديث القاضي. والمطلوب الحشد لـ«إعادة الهيكلة» السنّية التي يريدها الحريري، ضمن سياق أوسع لطَوْأَفة الإسلام بشكل كامل، أي تحويله إلى عصبيّات وهميّة خالية من الروح والقِيَم الدينية، وقابلة للاستثمار السياسي.
ماذا لدى الشيخ سعد من جديد، بعدما أصبح للمشيخة صفة شرعية لزوم المرحلة؟
عودة إلى صفوف الزراعة الفتنوية، في توزيع أدوار جديد بينه وبين حلفاء الأمس، شركائه الأزليّين في نهب البلاد. ومَن المخلّص في رواية ابن رفيق (رضي الله عنهما)؟ المحور السعودي- الإماراتي- المصري طبعاً. ومَن غير هؤلاء قد أنتج انبطاحات شرعيّة مماثلة لآخر إبداعات غزاوي؟
هذا جواب الحريري على 4 أشهر من الثورة. أن يرسل شبّيحته إلى الساحة، ثم أن يُعلن استماتته في شدّ العصب المذهبي السنّي محاولاً استرجاع الكثير الذي فقده في الثورة وقبلها، وتحديداً لدى السنّة. جوابه أن يعلن عودةً فادحةً إلى سياسة المحاور الخالصة، ساعياً للقضاء على كلّ ما أنجزتْه الثورة في السَّيْر بين ألغام الثنائيات الإقليمية هذه عبر رفضها قاطبةً. جوابه انتقل من أحضان «صديقه» جبران باسيل إلى أحضان «مضيفه» محمد بن سلمان، وصار له «صديق» جديد هو سليمان فرنجية.
يرفع سعد «رأس رفيق الحريري» كمشهد كربلائي بإخراج عصريّ، ليعيد الكتل الشعبية المنتمية للسنّة إلى مواقع المظلومية بعدما كانت في الأشهر الأخيرة قد دخلت في مسار تلاقٍ حقيقيّ مع الهوية الوطنية الجامعة التي أنتجتْها الثورة للمرّة الأولى. وليس هذا خدمةً لتيّاره وحلفائه فحسب، بل حماية لكافة قوى السلطة التي انتفض اللبنانيون في وجهها. هذه القوى التي تتنّفس في بحور الفتنة وتختنق في رياح الثورة.
كانت الحريرية في تبعيّتها شبه المطلقة للسعودية تناور لسنين طويلة على الخطوط التكفيريّة، وكانت مدخلاً حقيقياً لما نصطلح تسميته بالسَّعْوَدة الثقافية الإسلامية، بشكل مشابه رغم هشاشته لطغيان الثقافة الإيرانية في الإسلام داخل المجتمعات الشيعية من خلال منفذ حزب الله. ثمّ دخلت المنطقة في حسابات مختلفة، وتقوقع السعوديون قليلاً على أنفسهم، فصرنا نسمع الحريريين يقولون إنهم «يركضون وراء الناس» لإخراجهم من المساجد. وصاروا يقدّمون أنفسهم كالبديل السنّي الأوحد عن البعبع الداعشي.
الآن تغيرت الحسابات مجدداً، فنحن في عالم تنسحب فيه نيكي ميناج من مهرجان موسيقي في السعودية تضامناً مع حقوق المرأة! والإسلام الحريري الجديد على صورة مذهبه-الأمّ في الرياض، لا ضوابط شرعية أو أخلاقية له سوى ما يقوله الحاكم. في هذا الإسلام المبتدع مرّةً أخرى، يبدو أنّ عبد المنعم غزاوي يريد لنفسه موقعاً خاصاً.
أما الولاء الذي شهدناه في بيروت يوم الـ«لا ثقة»، كان أقرب بكثير إلى الآية الكريمة:
سورة الأنفال:72
وأمّا اللحن (الخطأ اللغوي) الفظيع الذي وقع فيه غزاوي، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنه مرّ بقومٍ يرمون فانتقد سوء رمايتهم. ولمّا أرادوا إجابته أخطأوا بالصرف في جوابهم، فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشد إليّ من ذنبكم في رميكم.