قضية الأسبوع دونالد ترامب
ميغافون ㅤ

ترامب في بلاد الخليج

سلاح، تطبيع، طائرات

17 أيار 2025

عهود جديدة في زيارة واحدة

بعد عقود من الانقسامات في الشرق الأوسط، انتهت بانهيار محور الممانعة، وبعد حروب وإبادة غيّرت موازين القوى، وبعد عودة اليمين المتطرّف إلى رئاسة الولايات المتحدة ومشروع إعادة فرض سطوة الإمبراطورية، زار دونالد ترامب الخليج العربي في أوّل جولة خارجية رسمية له في فترة ولايته الثانية. 

الزيارة تهدف إلى رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، أو بكلام أوضح، إلى توضيح معالم هذه الخريطة بعد الأحداث الضخمة التي عصفت بالمنطقة في السنوات الماضية. فيأتي ترامب لـ«قطف» ثمار هذه الأحداث، بدءًا بمصالحه الاقتصادية، ومن ثمّ لإرساء مشروعه السياسي القائم على «الاتفاقيات الإبراهيمية» كالعمود الفقري للمنطقة. 

هناك خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط ترتسم معالمها اليوم، وإن كان يسودها بعض الغموض على أطرافها. ستشكّل هذه الخريطة، التي يتوسطها الخليج، محور السياسة المقبلة وحدود الممكن والمستحيل في المنطقة. مهما كان موقفنا منها، باتت هذه الخريطة واقعًا جديدًا، يُصنع بصفقات السلاح والعقود التجارية والمصالح الأمنية.  


عودة الخليج إلى صدارة المشهد

يا له من مكان رائع، والأهم من ذلك، يا لهم من أناس رائعين. أودّ أن أشكر صاحب السمو الملكي ولي العهد على هذه المقدمة الرائعة. إنه رجل رائع. أعرفه منذ زمن طويل. لا أحد مثله. شكراً جزيلاً، شكراً جزيلاً لك يا صديقي. إنه لشرف عظيم أن أعود إلى هذه المملكة الجميلة وأن أُستقبل بكرم وحفاوة استثنائيين. لم أنسَ أبدًا كرم الضيافة الاستثنائي الذي أحاطنا به الملك سلمان، فهو، بكل بساطة، رجل عظيم. إنه رجل عظيم. إنه رجل عظيم، وعائلة عظيمة.
— دونالد ترامب عن محمد بن سلمان

من أولى نتائج زيارة ترامب عودة الخليج إلى صدارة المنطقة، على الأقلّ من وجهة نظر الولايات المتّحدة. فبعد عقود من التراجع الخليجي، أكان جرّاء مواقف الإدارات الأميركية، من أوباما إلى بايدن، أو نتيجة صعود نجم إيران و«هلالها الشيعي»، يعود الخليج، وعلى رأسه السعودية، ليشكّل مكمن السلطة في المنطقة والمُحاور الأول للولايات المتّحدة. 

إدارة بايدن، أسوأ إدارة في تاريخ بلادنا، بالمناسبة، رفضت شركاءنا الخليجيين الأقدم والأكثر ثقة، بل ويمكنني القول شركاء عالميين، أحد أعظم شركائنا، أيًاً كان من نلجأ إليه، ولدينا شركاء عظماء في العالم. لكن ليس لدينا مَن هو أقوى مِن- ولا أحد يضاهي السيد الذي أمامي مباشرة- هو أعظم ممثل، أعظم ممثل. ولو لم أكن أحبه لخرجت من هنا بسرعة، تعرف ذلك، أليس كذلك؟ هو يعرفني جيدًا. أنا أعرفه. أنا أحبه كثيرًا. أحبه كثيرًا. لهذا السبب نعطي كثيرًا، كما تعلم، كثيرًا جدًا. أحبك كثيرًا…
— دونالد ترامب عن محمد بن سلمان

كان لهذه العودة بعد اقتصادي، للولايات المتّحدة ولترامب شخصيًا. فكان نجل ترامب قد سبق الزيارة الرسمية بزيارة خاصة للإمارات لتسويق شركته المتخصصة في العملات المشفرة، كما أبرمت «مؤسسة ترامب» صفقة لتطوير عقاري في قطر قبل شهر من الزيارة. وردّت قطر الجميل بـ«إهداء» الرئاسة الأميركية طائرة بقيمة 400 مليون دولار. لكنّ المصلحة الفعلية ظهرت بالصفقات التجارية التي وقعها ترامب مع السعودية، بقيمة 600 مليار دولار على أربع سنوات، ومن ضمنها، أكبر صفقة دفاعيّة بالتاريخ، بقيمة 142 مليار دولار. وقّعت قطر أيضاً صفقة بقيمة 200 مليار دولار لشراء طائرات «بوينغ»، بالإضافة إلى عدد من الصفقات مع الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي. 


مركزيّة سنيّة واتفاقيّات إبراهيميّة

لطالما كانت العلاقة الأميركية السعودية ركيزة أساسية للأمن والازدهار. اليوم نؤكد على هذه الروابط المهمة ونتخذ الخطوات التالية لتوطيد علاقتنا، وجعلها أقوى وأكثر قوة من أي وقت مضى…
— دونالد ترامب عن المملكة السعودية

لكنّ الزيارة لم تكن تجارية وحسب. كانت تتويجاً لاتجاه جديد-قديم في السياسة الأميركية حيال المنطقة. فبعد مرحلة «غزل» مع إيران، جاءت في أعقاب هجمات 11 أيلول والخوف من «التطرّف السنّي»، وبعد ولاية بايدن الذي تماهى مع إسرائيل ووعدَ بجعل السعودية «دولة منبوذة»، عاد الاهتمام الأميركي للتماهي مع قيادة سنيّة للمنطقة، على رأسها الخليج العربي. 

لقد كانت التحولات مذهلة بشكل لا يُصدَّق أمام أعيننا، جيل جديد من القادة يتجاوز صراعات الماضي القديمة وانقساماته المُرهقة، ويصنع مستقبلًا يُعرَّف فيه الشرق الأوسط بالتجارة، وليس بالفوضى، ويُصدِّر التكنولوجيا، وليس الإرهاب، وحيث يبني الناس من مختلف الأمم والأديان والمعتقدات مدنًا معًا. لا أن يُدمّر بعضهم بعضًا. لا نريد ذلك.
— دونالد ترامب عن المملكة السعودية

تقوم مركزية الخليج، من منظور الولايات المتحدة، على ترسانة «اتفاقيات إبراهيمية» لم تؤسس للخروج من الصراع العربي-الإسرائيلي وحسب، بل أيضاً لبناء منظومة أمنية-اقتصادية حول الخليج وإسرائيل، تعيد الإمساك بالمنطقة. وإن كانت الإمارات رأس الحربة في هذه المنظومة الصاعدة، فإنّه من المتوقع أن تترأسها السعودية، عند دخولها في هذه الاتفاقيات، وإن كان ذلك سيتمّ وفق توقيتها كما صرّح الرئيس الأميركي. 

ربّما كان أكثر المشاهد تجسيدًا لصعود قيادة جديدة للمنطقة، «عودة» سوريا إلى الحضن العربي، بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عنها. برعاية تركية وسعودية، أمر ترامب بوقف العقوبات على سوريا وتمنى عليها الانضمام إلى مشروع التطبيع. ويفترض أن تمنح سوريا امتيازات لشركات أميركية لاستغلال الموارد الطبيعية في البلاد، بالإضافة إلى إمكانية تدشين «برج ترامب» في العاصمة السورية. ومع هذا القرار، يكون الملف السوري قد وُضِع على مسار الحلّ، مع انضوائه تحت الجناح الخليجي، بعدما شكّل لعقود من الزمن مكوّناً رئيسياً من المحور المقابل. 


أطراف الشرق الأوسط الجديد

يبقى هناك لاعبان عالقان في تصوّر ترامب الأمني والاقتصادي للمنطقة. الأوّل هو إيران التي تشكّل الخصم الأخير. 

لا أحبّ الأعداء الدائمين، لكنك تحتاج أحيانًا إلى أعداء لإنجاز المهمّة، وعليك القيام بها على النحو الصحيح. الأعداء يحفّزونك. في الواقع، بعض أقرب أصدقاء الولايات المتحدة الأميركية هم دول خضنا حروبًا ضدّها في أجيال سابقة، وهم الآن أصدقاؤنا وحلفاؤنا. أريد عقد صفقة مع إيران. إذا استطعت عقد صفقة مع إيران، فسأكون سعيدًا جدًا إذا نجحنا في جعل المنطقة والعالم مكان أكثر أمانًا. ولكن إذا رفضت قيادة إيران غصن الزيتون هذا واستمرت في مهاجمة جيرانها، فلن يكون أمامنا خيار سوى ممارسة أقصى قدر من الضغط، ودفع صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر كما فعلت من قبل، كما تعلمون، كانت دولة شبه مفلسة بسبب ما فعلته، لم يكن لديهم مال للإرهاب. لم يكن لديهم مال لحماس أو حزب الله، واتخذوا جميع الإجراءات اللازمة لمنع النظام من امتلاك سلاح نووي. لن تمتلك إيران سلاحًا نوويًا أبدًا. 
— دونالد ترامب عن إيران

هذا الخصم دعاه ترامب للدخول في الشرق الأوسط الجديد، خاصة بعد توجّه دول الخليج إلى القبول بفكرة صفقة مع إيران، وبعد تلقّي هذا الخصم ضربات، قد تكون قاضية في السنة الأخيرة. لم يتكلّم ترامب عن ضربة، بل عن ضغط وعقوبات، ما عاكس رغبات إسرائيل، اللاعب الثاني الغائب عن تصوّر ترامب خلال زيارته الخليجية. فبعد فترة من الدعم المطلق لسياسة نتنياهو الإبادية، بدأت تظهر الخلافات بين الإدارتين، كما تبيّن مع الصفقة الأميركية مع حماس أو الاتفاق مع الحوثيين أو الخلاف حول الضربة على إيران. ومع التقارب الخليجي الأميركي، من المتوقع أن يزداد الضغط لحل سريع للحرب في غزة، ما سيشكّل ضغطًا إضافيًا على نتنياهو. فالخلاف ليس مع إسرائيل، بل مع نتنياهو الذي يتحوّل تدريجيًا إلى عائق أمام هذا الشرق الأوسط الجديد، وإن كان من مهندسيه الأكثر عنفًا. 


شرق أوسط جديد من دون قضايا الماضي

ليس واضحًا ما ستكون نتائج هذا الشرق الأوسط الجديد على الدول الخاضعة لوصايته الصاعدة. لكنّ ما بات واضحًا أنّ هناك عددًا من القضايا التي ستكون غائبة عن سلّم اهتماماته. القضية الأولى هي انتهاء «حقبة الممانعة» والاستقطاب الحادّ الذي شكّلتْه مع ما كان يسمّى «دول الاعتدال»، تاركة مكانها لمسألة الأقليّات التي ستشكّل أحد تحدّيات المستقبل. 

لكنّ الممانعة ليست الصفحة الوحيدة التي طُوِيَت. فحقبة «الربيع العربي» انتهت أيضًا، مع دعواتها للديموقراطية والتعدّدية واحترام حقوق الإنسان. فتمّ قمع الاحتجاجات الداخلية، غالبًا بدعم من أنظمة الخليج. وكان ترامب واضحًا أنّ الدبلوماسية الغربية لن تُستعمَل بعد اليوم لفرض تحوّلات ديموقراطية أو لحماية الأقليّات أو لدعم قضايا اجتماعية. عصر الديموقراطية انتهى، والخليج في مزيجه من الحداثة الاقتصادية والأمنية من جهة، والقمع الملكي من جهة أخرى، لم يعد الاستثناء، بل القاعدة

أخيرًا، تبدو صفحة فلسطين وكأنّها انطوت سياسيًا بعدما كانت قد طُويت جراء إبادة ما زالت قائمة. فالاتجاه العام نحو التطبيع، مع أو من دون تمسّك لفظيّ بحلّ الدولتين، يكرّس خروج هذه القضية من الاهتمام الرسمي العربي. ولمن يجاور فلسطين، فإنّ ضروريات الإعمار ستكون كفيلة بتمرير أي تطبيع. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فكشن

قهوة الريش

عمر ليزا وكارن كيروز
ملفّ الوزير السابق أمين سلام
05-06-2025
تقرير
ملفّ الوزير السابق أمين سلام
عصابة عائليّة في وزارة الاقتصاد
جبهة المقاومة الإسلامية بسوريا
ملفّ المرفأ
05-06-2025
تقرير
ملفّ المرفأ
غازي زعيتر إلى التحقيق
غاراتٌ على الضاحية 
حدث اليوم - الخميس 5 حزيران 2025
05-06-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 5 حزيران 2025