تستمرّ المصارف بحجز أموال «صغار المودعين» وأجور العمّال بطريقة غير قانونية، أي أنّها تصادر ما يقارب 1,725,000 حساب غالبيّتها حسابات توطين معاشات. تهدّد المصارف الناس علنًا صحّة المودعين وأمنهم الغذائي، عبر سرقة أموالهم أو تهريبها لصالح الأوليغارشية التي كانت قد هرّبت القسم الأكبر من أموالها إلى خارج لبنان مع بدء الأزمة المالية.
لا بل أن هذه المصارف، وفي بيان لها موقَّع بشخصية «جمعية موظفي المصارف»، هدّدت المودعين بإقفال أبوابها أمامهم إن استمرّوا بالمطالبة بأموالهم، ودعت القوى الأمنية لـ«حماية مستخدمي المصارف في أماكن عملهم من تجاوزات من يدّعون بأنهم ثوّار على الفساد وهدر المال العام». كما لوّحت بالإضراب العام الثلاثاء المقبل بحجّة الحفاظ على سلامة موظّفي المصارف، في حين أنّ السبب الحقيقي للإضراب يكمن في عدم وجود سيولة لديها.
تشنّ المصارف إذاً حربها الطبقية في ظل تعتيم إعلاميّ تامّ، ودعمٍ من الدولة اللبنانية بطبقتها السياسية وأجهزتها الأمنية المنتشرة في كل المصارف على كافّة الأراضي اللبنانية، وهي ترعى هذا الانتهاك للحقوق المنصوص عليها في الدستور والقوانين اللبنانية حول الملكية الخاصة.
لكنّ السلطة لم تكتفِ بغضّ النظر عن حجز أموال المودعين، بل قامت بالاعتداء على المودعين والعمّال الذين قصدوا المصارف لتقاضي أجورهم في العديد من فروع المصارف، كبنك الاعتماد اللبناني ـ فرع صيدا و«بلوم بنك» في حلبا- عكّار حيث استخدمت مكافحة الشغب القنابل المسيلة للدموع والرصاص ضد المتظاهرين داخل فرع المصرف. كما تمّ احتجاز المحتجّين داخل المصارف وإقفال الأبواب بوجههم في العديد من الفروع طيلة هذا الأسبوع.
وما لم تقُم به القوى الأمنية، تكفّل به مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية الذي استدعى الناشط ربيع الأمين إثر دعوى مقدّمة ضدّه من صاحب بنك الموارد، قاتل الحيوانات، مروان خير الدين، وذلك على خلفية منشورات على موقع فايسبوك. وطلب منه المكتب المذكور، بناءً على إشارةٍ قضائية، أن يحذف منشورات له على وسائل التواصل الاجتماعي.
واللافت أنّ هذا الجهاز الأخير الذي كانت تستخدمه الطبقة السياسية لإسكات معارضيها، تستخدمه الآن المصارف، اي السلطة نفسها، لإسكات معارضي إجراءاتها غير القانونية بحق الشعب.
فيما انتقلت الاحتجاجات من الساحات إلى المصارف، تبدو المعادلة بسيطة: الدولة هي المصارف وأجهزة الدولة أجهزتها. والمواجهة الحتمية مع المصارف هي مواجهة حتمية مع نظام دولة المصارف. نحن بحاجة الآن إلى تصعيد شعبي بوجه المصارف، فالضغط الممارس عليها ينعكس على النظام المبني عليها، وبالتالي فإنّ سقوط هذا النظام السياسي- الاقتصادي يبدأ بإسقاط مصارفه.