دعوني أبدأ بفكرة بسيطة: إذا كانت ردة فعلكم الأولية لدى سماعكم عن الهجمات الفاشية-الإسلامية الحقيرة في كونفلان سانت أونورين ونيس هي الإسراع بترداد التاريخ العنفي والعنصري للكولونيالية والما-بعد كولونيالية الفرنسية، فأنتم مفلسون أخلاقيًا. وحتى إذا كانت الأخلاق لا تعنيكم وكنتم تعتبرون أنفسكم على أقصى حدود الراديكالية اليسارية، فاسمحوا لي أن أكرّر: أنتم مفلسون أخلاقيًا. لستم فقط ساقطون أخلاقيًا، بل أنتم أيضًا ساذجون وجاهلون لأبسط قواعد السياسة.
أنتم مفلسون أخلاقيًا لأنكم ترفضون التوقّف عند لحظة موت الضحايا والطريقة التي قتلوا بها، والتمعّن بها. تأمُّل الحدث والتمعّن به يعنيان أخذ الوقت للاعتراف والإقرار. ليس الإقرار السريع والمتسرّع «كأنني أتأسف على الضحايا لكن دعونا ننتقل إلى أمور أكثر أهمية»، بل عليكم المكوث في فظاعة الحدث، والإحساس به.
إذا لم تستطيعوا القيام بهذا، فذلك يعني أنّكم تواجهون مشكلة كبيرة.
ليست المسألة تقصّي إذا ما كانت الكولونيالية الفرنسية، والما-بعد كولونيالية، قائمتين على تاريخ طويل من العنصرية والعنف تجاه الإسلام، ولا تزالان. فهذه حقائق لا يمكن نفيها. ولكن كما أن هناك أخلاقاً أو «أيتيك» للكذب، هناك أخلاق أو «أيتيك» للحقيقة وطرق استعمالها. فبإمكانك أن تكون مصيباً وغير أخلاقي، كالذي يستخدم حقيقة لكي يتهرّب من ضرورة الوقوف عند حقائق أخرى والتمعّن بها. المستعمرون ومن أتى بعدهم يفعلون ذلك كل الوقت. وهذا ما تفعلونه أنتم اليوم.
تتطلب الأخلاق معرفة متى تستخدم الحقيقة وكيفية استغلالها. كما تتطلب حسًا دقيقًا بالزمن ومعرفة متى وأين وإلى أي مدى يجب الاستقرار عند حقيقة ما أو سواها. وهذا ما تتطلبه السياسة أيضًا. فالسياسة ليست مجرّد قول الحقيقة بل معرفة كيف ننشرها لتوسيع أثرها قدر الإمكان. أدرك أنّنا كأكاديميين تربّينا على اعتبار السياسة نوعًا من «قول الحقيقة في وجه السلطة». ولكن ذلك ليس فعلاً أحادياً، بل هو حقل من الإمكانيات يقتضي معرفة كيفيّة المداخلة وزمنها.
إذا لم تفهموا هذا، فإنّ مفهومكم للسياسية، وفعاليّتها، ضعيف وفقير.
تتطلب السياسة حسًا دقيقًا لتعدّد ساحات المعارك التي نجد أنفسنا في شباكها. الصراع بين المستعمرين ومناهضيهم هو واحد منها. إلّا أن النزاع بين من يريد العيش المشترك في هذا العالم ومن يريد عالمًا من الحروب القومية والعرقية هو ساحة معركة كذلك. وإذا كانت هذه الساحات تتشابك وتتقاطع وتحدّد بعضها بعضاً أحيانًا، فهذا لا يعفينا من معرفة كيف نحدّد أولويّاتنا، ليس بطريقة مطلقة، إنما استراتيجيًا وفي أوقات محدّدة.
في نهار كهذا، أعرف كيف أريد أن احدّد أولوياتي. فإذا أردت انتقاد الحكومة الفرنسية، أريد أن أفعل ذلك لانحيازها «للفضاء الحربي الفاشي» نفسه الذي ينتمي إليه الإرهابيين. أريد أن أنتقدها باسم من يريد عالماً من التعايش. لا ينمّ فعلي عن سذاجة تجهل التناقضات العديدة لمفهوم التعايش والحقل السياسي الذي يفترضه. كما لا أتجاهل أنّ ذلك قد يضعني إلى جانب أشخاص لا أريد أن أشاركهم الموقف ذاته. أفعل ذلك لأنّه في نهاية المطاف على المرء أن يختار جوهر ما يهمّه ويعنيه اليوم.