لم يحدث أن انتظر رياض سلامة صدمةً إيجابية للاقتصاد اللبناني قدر ما انتظر خلال هذه الأزمة. والصدمة لم تأتِ. بل على العكس، تكدّست الصدمات السلبية، من شحّ الدولار إلى سوق موازٍ لسعر الصرف، إلى عدم تشكيل حكومة، إلى إجراءات استنسابية وموجعة على الطبقات المتوسطة والفقيرة من قبل القطاع المصرفي، إلى أنباء عن تهريب أموال كبار المودعين، إلى التحذير من الانهيار أو التهديد به.
انطلاقاً من ذلك، أطلّ علينا رياض سلامة اليوم برسائل عدّة:
أوّلاً، وسط ضمور الثقة بالقطاع المالي، أراد أن يعزّز تلك الثقة من خلال جردة لدوره كرجل المهمات الصعبة. بمعنى آخر، أراد أن يقول: أنا هي الصدمة الإيجابية، عبر تذكيرنا بإنجازاته. فهو لطالما قاد السياسات المالية، بظروف صعبة، عبر اتّباع سياسة الدفاع عن الليرة من خلال استقطاب الدولار. أراد أن يقول إنّه عندما تزعزع الاقتصاد أسباب خارجة عن ارادته، مثل الحروب المجاورة، أو العقوبات المصرفية، أو استقالة الحريري من السعودية، أو الفراغ السياسي، فهو قادر على ابتكار حلول خلاقة، كالهندسات المالية التي حوّر البعض أهميتها.
ثانياً، أراد سلامة تحييد نفسه عن الأداء السياسي وعجز موازنة الدولة. فهو مسؤول فقط عن التمويل، وليس مسؤولاً عن الصرف. لا بل إنّه قد أنشأ هيئات لمحاربة الفساد. فهو يرفض أن يكون «كبش محرقة» للفساد والمماطلة من قبل الطبقة السياسية وسوء إدارتها للأموال التي حرص على تأمينها. فهذان الفساد والهدر صعّبا مهمته كحامٍ للاستقرار، لكنه نجح رغم ذلك في ضخّ السيولة في كل القطاعات، من الصناعة إلى الطاقة البديلة إلى الإسكان، فحلّ مكان الدولة العاجزة والفاسدة.
ثالثاً، استعمل سلامة «الأوضاع الاستثنائية» لتبرير كل السياسات الاستنسابية، غير المعلنة وغير الرسمية. فالمصرف المركزي لن يتراجع عن مهمته في حماية الليرة والاستقرار، لكن في هذه الظروف الاستثنائية، لا حلول لأزمة سعر صرف موازٍ، ومرتفع، عند الصيارفة.
رابعاً، طمأن سلامة جميع المودعين بالتساوي أنّ لا قيود رسمية على ودائعهم، ولا سياسات «قص شعر»، أي لا اقتطاع نسب معيّنة من الإيداعات. وقد غاب عن سلامة أن هذا التطمين لا يطمئن تماماً. فهو يعني أنّ كبار المودعين ما زال بإمكانهم تحويل إيداعاتهم إلى الخارج، ممّا يساهم في تأجيج الأزمة.
خامساً، كشف سلامة عن شرخ واضح بين مصرفه والمصارف. فقد تحدّث عن إجراءات «طلبها» من المصارف، وسيتمّ الاتفاق عليها في اجتماعات متتالية، وسط عدم علمه بإضراب موظّفي القطاع المصرفي. بمعنى آخر، اكتفى سلامه بالإشارة إلى أنه طلب من المصارف التراجع عن هذه الإجراءات التي عانى منها المواطنون في الأسبوع الماضي، وأنّ المصارف ستجتمع لهذه الغاية، من دون أن يتمكّن من إعلان اتفاق على حد أدنى من السياسات والإجراءات الموحّدة، ممّا يرجّح استمرار الإجراءات الاستنسابية للمصارف. أمّا الشرخ الثاني والأساسي، فهو إصرار سلامة على حصر تأمين السيولة بالدولار للمصارف عبر إقراضها بفائدة 20٪ شرط ألا تستعمل هذه السيولة لتحويل الودائع إلى الخارج. وهو ما لا يبدو كافياً لإضاء شهية المصارف المفتوحة لمزيد من السيولة.
إذاً، اشترى الحاكم بعض الوقت، وأكّد على عدم وجود حلول جذرية للأزمة الاقتصادية. حتّى الآن، الليرة بخير، أما نحن فلسنا بخير.