تعليق ميديا
سامر فرنجية

شابّ بدارو وهلوسات جريدة «الأخبار»

14 كانون الأول 2020

هناك شاب أجنبي يجول ليلًا في شارع بدارو. يمشي وحيدًا في الليالي المظلمة، ويلتقي بين الحين والآخر بشباب لبنانيين، لكنّ لقاءاتهم لا تدوم. في أوقات فراغه، يترجم الشاب الأجنبي نصوصًا أو يساهم كباحث عن أمور عادية يعرفها كل أبناء الحي. قد يبدو فقيرًا أو ساذجًا، ولكن هذه خدعة، فهو يعمل وفق مبدأ الدفع نقدًا. فهذا الشاب لا يتعاطى لا حوالات ولا إيصالات ولا حتى تسجيلات. هذا الشاب ليس بشاب عادي، كما فضحته جريدة الأخبار اليوم. هذا الشاب هو الرأس الحربي لعملية استخباراتية ضخمة، تقوم بها المملكة البريطانية، صاحبة الخبرات في الاستعمار.

في ملف ضخم مبنيّ على تسريبات مخيفة، كشفت صحيفة الممانعة طورًا جديدًا من المؤامرة الكونية التي تحاك على لبنان، هذه المرة على يد بريطانيا العظمى. فهي الخبيرة في التلاعب الاستخباراتي وهي الموكلة بتنفيذ أصعب مهمة تضليل شهدها العالم. فالمسألة صعبة. المهمة، كما حدّدها أصحاب التسريبات وحلفاء جريدة الأخبار، شبه مستحيلة:

كيف تدفع الناس إلى إطاحة حكومتهم إذا كانوا راضين بشكل أساسي عن عملها؟

فاللبنانيون واللبنانيات راضون على حالة حكوماتهم وانهياراتها المتتالية، وبات من الضروري إقناعهم بالعكس. مهمة صعبة، تفوق قدرات الولايات المتحدة، ما يتطلّب تدخّل الخبير الإمبريالي. والهدف، كالعادة، هو إطاحة النظام اللبناني الذي وصفه المسرّبون بأنّه علماني كونه يشهد تعايشًا «سلميًّا» مع المسيحيين والمسلمين السُنّة منهم كما الشيعة

كيف تقنع ناساً يعيشون بجنة لبنان العلماني وهم راضون عليها أنّ يثوروا؟ سؤال يحيّر الشاب الأجنبي وهو يجول في شارع بدارو من دون أيّ وصل أو حوالة. لا بد من خطة جهنمية تثير البلبلة بمملكة الممانعة الفاضلة. ولكن لا خوف، فبريطانيا، صاحبة الخبرة الأكبر بالاستعمار، هي هنا. فابتكرت خطّة تقوم على الشعارات التالية: المشاركة السياسية للنساء تعزيز الآليات الديموقراطية للإصلاح والمساءلة والحوار المشاركة السياسية للشباب تلك هي الشعارات التي ستقضي على النظام… وإذا كان هذا لا يكفي، فيمكن أيضًا رفع شعارات أخرى كخلق فرص عمل والتخفيف من حدّة الفقر ومخاطر التضخّم، شعارات لم يفكّر فيها أحد في لبنان قبل أن يفرضها الخبث البريطاني. وإذا كان كل هذا لم ينفع، فيمكن أيضًا طرح شعار الاستفادة إلى أقصى درجة من الخبرات المحلية… «إلى أقصى درجة»… لن تقطع هذه الإشارة على صحافيّي الممانعة… «إلى أقصى درجة» …

المؤامرة انكشفت، الشاب البريطاني لن ينام مرتاحًا في بيته الذي يدفعه نقدًا ومن دون وصل. فطمأنتنا الصحيفة وأصحابها من جماعة التسريبات أنّ هناك عملية إجلاء للعاملين بصورة رسمية وغير رسمية مع السفارة البريطانية. إذا اعتقد أحد أنّهم يغادرون لأنّ الوضع بات مأسويًا، فهم سذّج. الحقيقة أنّهم يفرّون قبل فضحهم من جريدة الأخبار.

نصر جديد يمكن إضافته إلى سجل الانتصارات، من 7 أيار عندما تعايش الشيعة والسنّة سلميًا في لبنان العلماني إلى حالة الرضى المعمّمة عن حكومات العهد وممانعته.

منذ انطلاقة ثورة تشرين، وهناك نظريات مؤامراتية تحاك حول حالة الاعتراض الشعبي والانهيار الاقتصادي التي تشهدها البلاد. لم يبقَ دولة أجنبية ولم تجنَّد في روايات الممانعين لكي تخوّن حالة الاعتراض الهزيلة التي تشهدها البلاد. ولم يبقَ تفسير إلّا وقُدِّم لتحييد الطبقة الحاكمة من أي مسؤولية عن الانهيار المالي. لكنّ النسخة الأخيرة تفوق كل التحشيشات التي قدّمتها وسائل إعلام الممانعة في السابق. لا يمكن إلّا أن نسأل لمن تحاك تلك الأكاذيب؟ ألم يرَ أحد في غرفة تحرير هذه الصحيفة سخافة ما ينشر؟

أسئلة تدور برأسي، وأنا أجول في بدارو باحثًا عن هذا الشاب الأجنبي لأعطيه وصلاً، مقابل النقد الذي جنيتُه عندما كتبت عن ضرورة «التخفيف من حدّة الفقر».

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
3,583 شهيداً، 15,244 مصاباً
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 21/11/2024
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت