تعليق مصارف
علي هاشم

عصا المصارف

6 كانون الأول 2019

أصدر مصرف لبنان في 04/12/2019 تعميماً وسيطاً تحت الرقم 536، حدّد بموجبه حدّاً أقصى للفوائد المدفوعة على الودائع عند 5% للدولار الأميركي و8.5% لليرة اللبنانيّة. وبالنسبة إلى الودائع بالدولار الأميركي، فقد نصّ التعميم على دفع نصف فوائدها بالليرة اللبنانيّة، كما نص على الأمر نفسه بالنسبة إلى توظيفات المصارف المختلفة لدى مصرف لبنان.

يؤشّر هذا التعميم إلى أنّ حقبة الفوائد السخيّة لجذب التحويلات الماليّة قد ولّت، والبديل الموجود هو الإبقاء على خيار ضبط السيولة الموجودة الآن بقيود غير رسميّة وغير مقوننة. وبين الخيارين، تبقى أولويّة كلّ تلك الإجراءات حماية مصالح الدائنين وأرباحهم، أي المصارف نفسها، بدل البحث عن خيارات تتّجه نحو حماية عموم اللبنانيين والفئات الأضعف من تبعات الانهيار القائم.

حقبة الفوائد السخيّة

منذ بداية 2016، بدأت الفوائد في السوق اللبنانيّة مسارها التصاعدي، فارتفع متوسّط الفوائد على الودائع بالدولار من 3.22% في ذلك الوقت إلى حدود الـ6.57% في نهاية شهر أيلول الماضي، كما ارتفع متوسّط الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانيّة في الفترة نفسها من 5.52% إلى 9.13%.

تمكّنت المصارف خلال تلك الفترة من دفع هذه الفوائد السخيّة بفضل العوائد المرتفعة التي كانت تحقّقها من توظيف هذه الودائع لدى مصرف لبنان وهندساته المختلفة. كان هدف مصرف لبنان آنذاك شراء الوقت، ومقاومة نزيف العملة الصعبة، من خلال فوائد مرتفعة قادرة على جذب السيولة من الخارج، أو حتّى امتصاصها من داخل السوق اللبناني.

العصا بدل الجزرة

اليوم، تعلن هذه الإجراءات صراحةً أن «جزرة» الفوائد لإغراء المودعين قد رُفعت من أمام أفواههم، خصوصاً وأنّ التعميم نصّ على اعتماد هذه الإجراءات لفترة ستّة أشهر، ممّا يعني أنّ المسألة ليست محصورة بأسابيع قليلة بانتظار حلٍّ للتأزُّم السياسي. والبديل الموجود والقائم هو «عصا» خيارات ضبط السيولة بشكل مشوّه وغير مقونن ولا رسمي، كما تُطبّق حاليّاً، بكل مصائبها.

بمعنى آخر، أصبح المطلوب هو الحفاظ على السيولة الموجودة بالقوّة، لا اجتذاب ودائع جديدة من الخارج. ومشكلة هذه الإجراءات أنّها لا تتم بموجب قانون أو إجراء رسمي واضح يضمن تساوي الجميع في هذه الكلفة، بل بموجب قرارات أخذتها المصارف من جانبها، ودون أي ضوابط أو تنظيم من ناحية الدولة أو مصرف لبنان.

مصالح المصارف أوّلاً

حين كانت تُطرح مسألة إعادة هيكلة الدين العام، أو تنفيذ إجراءات قسريّة للتفاوض على فوائد هذا الدين، كان يتمّ التهجّم على هذه الطروحات بوصفها قضيّة تتجاوز الخطوط الحمر. وكانت الحجّة المعتمدة دائماً هي مساس هذه الطروحات بالنظام الاقتصادي الحر الذي يجتذب التحويلات بالعملة الصعبة إلى البلاد. أمّا اليوم، فأصبح واضحاً أنّ مسألة حريّة حركة الأموال صارت من الماضي، مع كل القيود المطبّقة عليها في المصارف. وبدلاً من أن تشكّل هذه الحالة فرصةً للتفكير في خيارات تعيد ضبط كلفة خدمة الدين العام، ولو على حساب أرباح المصارف وفوائد كبار المودعين، ذهبت الخيارات المعتمدة إلى حماية أرباح المصارف نفسها، من خلال زيادة الفارق بين الفوائد التي تدفعها للمودعين وتلك التي تتقاضاها من التوظيف في الدين العام.

فبينما يحدّ التعميم بوضوح وبشكل شامل من كلفة الحصول على الودائع (أي فوائد المودعين)، لا يلوح في الأفق أيّ إتجاه للتفاوض بشكل جدّي على الدين العام أو فائدته التي تجنيها المصارف «مع كل طلعة شمس». وفي كل الحالات، يبقى أن التعميم يعلن صراحة أنّ حقبة اعتماد الأدوات التي تسمح بها «السوق الحرّة» أصبحت من الماضي، والانهيار أصبح واقعاً، وهو ما يعني أنّ السياسات المعتمدة يجب أن تُفاضل بشكل واضح بين مصالح المستفيدين من الدين العام ومصالح عموم اللبنانيّين أصحاب الدخل المحدود.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تخطيط قيمة حياة فتاة عشرينيّة مقيمة في بدارو
وزير الدفاع الإسرائيلي يزور جنود الاحتلال في جنوب لبنان
وليد جنبلاط في سوريا
جيش الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان ويهدّد بإخلائه
الاحتلال يجرف بساتين الليمون في الناقورة
سينما متروبوليس تعود