قضية الأسبوع هندسة الانهيار الاقتصادي
ميغافون ㅤ

لوبي المصارف يكسب الجولة في البرلمان

2 آب 2025

انتهاء مسار الإصلاح المالي

عندما تشكّلت الحكومة الحالية، خاصة بعد انتخاب رئيس للجمهورية تعهّد بالإصلاحات المالية والاقتصادية، عُقِدت الآمال بأنّ مسار الإصلاح سيبدأ أخيراً بعد سنوات من العرقلة. وجاء إقرار «قانون رفع السريّة المصرفيّة» ليؤكّد جدّية هذا المسار والآمال المعقودة عليه. لكن بعد هذا «الانجاز»، أعاد «لوبي المصارف» تنظيم صفوفه، ليواجه الإصلاحات القادمة. وجاء إقرار «قانون إصلاح أوضاع المصارف» الخميس الفائت في مجلس النواب، ليؤكّد نجاح هذا اللوبي في عرقلة المسار الإصلاحي. ومع تهافت بند الإصلاح الاقتصادي، تبدو الحكومة، ومن ورائها العهد، قد دخلا لحظة «الوقت الضائع»، في انتظار إعادة تحديد موازين القوى في الانتخابات القادمة.

نجاح اللوبي المصرفي في تفخيف «قانون إصلاح أوضاع المصارف» يشير إلى إعادة تنظيم صفوف هذا التحالف بعد انتكاسة إقرار «قانون رفع السريّة المصرفيّة»، وسيطرته على مسار الإصلاح المالي. وإن لم تواجَه هذه السيطرة، لن يبقى الكثير من الادّعاءات الإصلاحية للحكومة، لتصبح في الواقع حكومة «تصريف أعمال»، حتى قبل حلول موعد الانتخابات القادمة.


قانون إصلاح أوضاع المصارف

حين أعلنت الحكومة عن إعداد مشروع «قانون إصلاح أوضاع المصارف»، عُلّقت الآمال على هذا المسار، المُنتظر منذ بدايات الأزمة. فقد كان يفترض بهذا التشريع أن يوسّع وينظّم صلاحيّات الجهة المكلّفة بالتدقيق في أرقام القطاع المصرفي، أي لجنة الرقابة على المصارف. كما كان من المرتقب أن يعيد القانون تشكيل الجهة المكلّفة اتخاذ القرارات بخصوص مصير كل مصرف على حدة، أي الهيئة المصرفيّة العليا. وبهذا الشكل، كان القانون سيحدّد الإطار التنظيمي لمعالجة الأزمة المصرفيّة، وهو ما دفع كثيرين إلى تسميته إعلامياً بمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف.

عندما طرحت الحكومة الصيغة الأولى من مشروع القانون في شهر نيسان الماضي، كان من المفترض أن يحقّق هذا المسار الأهداف الطموحة الآتية:

  1. توسيع صلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف، الموجودة أصلاً بحسب القوانين السابقة، لفتح المجال أمام تدقيق جدّي يُبنى عليه في عمليّة توزيع الخسائر. ولهذه الغاية، توسّع مشروع القانون في تفصيل صلاحيّات اللجنة، التي تشمل الاستعانة بمدققين مستقلّين وإعداد التقارير وتقديم التوصيات بخصوص كل مصرف، وصولاً إلى مشاركة رئيس اللجنة نفسه في اتخاذ القرارات الحاسمة، كعضو في الهيئة المصرفيّة العليا. 
  2. تعزيز استقلاليّة الهيئة المصرفيّة العليا عن المصارف أولاً، وعن إدارة المصرف المركزي ثانياً. مع الإشارة إلى أنّ هذه الهيئة ستبني على توصيات وتقارير لجنة الرقابة، لتفصل ما بين المصارف التي ستخضع للتصفية، وتلك التي سيُفرض عليها إصلاح وضعها عبر إجراءات مُلزمة. ولتعزيز استقلاليّة الهيئة، اقترح مشروع قانون الحكومة الأساسي إعادة تشكيلها، فأخرج منها ممثل جمعيّة المصارف، وأدخل إليها ثلاثة خبراء يتم ترشيحهم من قبل ثلاثة وزراء مختلفين. كما دخل رئيس لجنة الرقابة على المصارف كعضو في الهيئة. وجميع هذه التعديلات في تركيبة الهيئة، كانت كفيلة بخلق توازن مقابل حاكم مصرف لبنان الذي يرأس الهيئة نفسها.
  3. وضع تشريع موحّد لعمليّة دمج وتصفية وإعادة هيكلة المصارف، ليحلّ مكان التشريعات المتفرّقة والمبعثرة، والتي جرت صياغتها خلال فترات زمنيّة متباعدة. كما أراد مشروع القانون وضع حدّ لتضارب الصلاحيّات، القائم في عمل الهيئة التقريريّة الأهم في مصرف لبنان، أي الهيئة المصرفيّة العليا.

الأدوار المشبوهة: كريم سعيد وابراهيم كنعان

غير أنّ الشعارات المُعلنة من قبل الحكومة، والصيغة الأولى لمشروع القانون كما أقرّه مجلس الوزراء، اختلفت جذرياً عن الصيغة التي أقرّها مجلس النوّاب يوم الخميس الماضي. فمنذ إحالة مشروع القانون من الحكومة إلى مجلس النوّاب، في نيسان الماضي، كثرت الأصابع التي عبثت بمضمون مشروع القانون، في دهاليز لجان البرلمان، إلى حدّ تفريغه من أهمّ مضامينه وأهدافه الأساسيّة. والحكومة نفسها، صاحبة الصيغة الأولى من مشروع القانون، لم تدافع عن روحيّة وأهداف طرحها الأصلي، بل انخرطت في التسويات والمساومات، ووافقت على الألاعيب التي طالت المشروع في البرلمان.

بدأت المناورات لتفخيخ مشروع القانون، والتلاعب بمضمونه، فور إحالته من الحكومة إلى المجلس النيابي، في نيسان الماضي. وبدا واضحاً أنّ اللوبي المصرفي، استاء منذ البداية من مضامين الصيغة الأولى التي أعدّتها الحكومة، بدلالة حملاته الإعلاميّة التي شُنَّت ضد المشروع، قبل أن تخمد هذه الهجمات بعد تحوير وتفخيخ المشروع في البرلمان.

أوّلاً، كريم سعيد

تماماً كسلفه رياض سلامة، أتقن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد فنّ المناورة وحياكة المكائد داخل المجلس النيابي، بالتواطؤ مع اللوبي المصرفي. وفور بدء النقاش داخل لجنة المال والموازنة بخصوص مشروع القانون، أعدّ سعيد مذكّرة خطيّة مليئة بالمغالطات القانونيّة والدستوريّة، مهاجماً توسعة صلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف، ومُعتبراً أنّ ذلك يمسّ بصلاحيّات الحاكم. وفي المطالعة نفسها، نصّب الحاكم نفسه سلطة دستوريّة، كحال السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، ليصل إلى خلاصة مفادها أنّ المساس بصلاحيّاته يضرب مبدأ «الفصل بين السلطات».
هكذا، بدأ النقاش داخل مجلس النوّاب يتّخذ منحىً طائفياً، نظراً لاتصال المسألة بصلاحيّات المنصب الماروني المالي الأوّل، كما صوّر سعيد المسألة. أمّا شقيق كريم سعيد، النائب السابق فارس سعيد، فأطلق نداء استغاثة علنيّاً، طالباً فزعة «النوّاب الموارنة» بالتحديد، للتصدّي لهذا القانون الذي سيقزّم دور الموقع الماروني.

ثانياً، ابراهيم كنعان

سرعان ما تلقّف رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان التمريرات من سعيد، تماماً كما فعل مع رياض سلامة من قبله. وبعد أن ظهرت هذه الإشكاليّات، قرّر كنعان الاستفادة من الضوضاء التي أحاطت بمشروع القانون، لدفن النقاشات في لجنة فرعيّة مخصّصة لتسوية الخلافات حول المسألة. 

منذ تلك اللحظة، تم استدراج الحكومة للدخول في مفاوضات ومساومات مع حاكم مصرف لبنان، تحت سقف هذه اللجنة وبمعيّتها، للتوصّل إلى تسويات تُهشّم وتُشوِّه مشروع القانون وتُفرغه من أهدافه الأساسيّة.


الصيغة المشوّهة

هكذا، ولدت الصيغة المشوّهة التي صوّتت عليها الهيئة العامّة في المجلس النيابي الخميس الماضي: من التعديلات التي اقترحتها اللجنة الفرعيّة، ثم لجنة المال والموازنة، ثم الهيئة العامّة نفسها. ولعلّ أهمّ تعديل/ تشويه، يرتبط بتركيبة الهيئة المصرفيّة، وقد تمّ بموجب اتفاق جانبيّ بين الحكومة ومصرف لبنان، بناءً على طلب اللجنة الفرعيّة.

أوّلاً، الهيئة المصرفيّة العليا

في القانون الذي تم إقراره أخيراً، استُحدِثَت بدعةٌ قضت بإنشاء «غرفة ثانية» داخل الهيئة المصرفيّة العليا، ومُنِحَت هذه الغرفة كلّ الصلاحيّات المرتبطة بإعادة هيكلة المصارف. أُقصي رئيس لجنة الرقابة على المصارف عن هذه الغرفة، وخُفِّض عدد الخبراء المستقلّين إلى خبيرين. وإلى جانب الحاكم نفسه، انضمّ إلى هذه الغرفة اثنان من نوّابه، ومدير عام وزارة الماليّة، وقاضٍ يُعَيَّن باقتراح من وزير الماليّة، وممثّل عن مؤسّسة ضمان الودائع.

بهذا الشكل، عادت إدارة المصرف المركزي للتحكّم بمسار إعادة الهيكلة، حيث يتمثّل المجلس المركزي للمصرف بأربعة أعضاء من أصل ثمانية في الغرفة (هم الحاكم، ونائباه، ومدير عام الماليّة). كما عادت المصارف لتتسلّل إلى الهيئة، من خلال ممثّل مؤسّسة ضمان الودائع، التي تهيمن المصارف على مجلس إدارتها. وبذلك، فقدَ القانون فعاليّته من ناحية تكريس استقلاليّة الهيئة المصرفيّة العليا.

ثانياً، لجنة الرقابة على المصارف

بالنسبة إلى لجنة الرقابة على المصارف، فقدت هذه الجهة قدرتها على التأثير في القرار النهائي بعد إقصاء رئيسها عن الهيئة المصرفيّة العليا. كما تمّ تحجيم صلاحيّاتها من خلال إعطاء الهيئة المصرفيّة العليا حقّ إعداد تقارير تقييم ومراقبة موازية لكلّ مصرف، ما يعطي هذه الهيئة القدرة على تجاهل تقارير وتدقيق لجنة الرقابة على المصارف، عند إصدار القرار النهائي بحق المصرف. وبذلك، تكون لجنة الرقابة قد فقدت دورها الأهمّ، المتمثّل بامتلاكها الصلاحيّة الحصريّة في المراقبة والتدقيق، في مقابل إعطاء الهيئة المصرفيّة العليا صلاحيّة التقرير.

ثالثاً، المصارف

وأخيراً، تم إعطاء المصارف حق تقديم الطعون المتكرّرة في وجه القرارات والتقارير، وفي مراحل مختلفة من عمليّة المراقبة واتخاذ القرار، ما يسمح عملياً بتعطيل مسار إعادة الهيكلة بشكلٍ غير مبرّر. كما لم ينصّ القانون على أولويّة بنوده على التشريعات السابقة، ما يفتح المجال أمام تأويلات تسمح بالعودة إلى تلك التشريعات بشكلٍ استنسابي. وهذا ما يناقض هدف القانون، المتمثّل بوضع إطار تنظيمي واضح وموحّد، لإدارة عمليّة إعادة الهيكلة، وعدم الاعتماد على التشريعات المبعثرة والمشتّتة. 


انتهت الجولة الثانية من مسار الإصلاح المالي لصالح اللوبي المصرفي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً