لم يكن هدف غزوة الرينغ يقتصر على ترويع الناس. فإضافةً إلى ترهيب المتظاهرين، سعت الغزوة إلى ممارسة الضغط على كل من حاول الدفع باتّجاه استقالة الحكومة، بمن في ذلك رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري. وكان لحركة بلطجةٍ مماثلة أن وقعت قبل خمسة أيام، شدّ من خلالها «الشبّيحة» وقيادتهم السياسية رُكَب رئيس الحكومة حينها، وأوحوا له بأنّ الشارع يمكن لملمته. لكنّ مسعاهم لم ينجح هذه المرّة. فسقطت الحكومة، وسقطت معها تسوية سياسية كاملة.
أجمعت وسائل إعلام السلطة على كون غزوة الرينغ فعل بلطجة، لكنّها توجّهت بأصابع الاتهام بشكل مباشر نحو حركة أمل بصفتها تنظيماً اعتاد التخريب والتشبيح، وتمّ تحييد حزب الله وتلميع صورته كأخ أكبر، يستوعب ويستمهل ويحاول احتضان الناس وتوجيههم بما هو لمصلحتهم.
لكنّ هذا «التحييد» لا ينطبق على ما جرى على أرض الواقع. فمجموعات «الشبّيحة» التي هاجمت المتظاهرين هي مجموعات تابعة لـ«أمل» وكذلك لسرايا المقاومة، أي مجموعات حزب الله التي تنتشر في معظم أزقّة بيروت. صور قادة هذه المجموعات واضحة، وكذلك الخطاب الذي طغى على المهاجمين الذين هتفوا إلا السيّد، وبدرجة أقلّ الأستاذ برّي خطّ أحمر. كما أنّ بصمات تنظيم هذه الغزوة واضحة، في أمر الهجوم والانسحاب من جهة، وفي سرقة بعض الوثائق المالية من بعض الخيم من جهة أخرى (وهو أمر ليس سلبياً بالمطلق، إذ يساهم في فضح بعض المجموعات المشاركة في الانتفاضة).
والجدير ذكره هو أنّ التشبيح لم يطل وسط بيروت وحسب، بل طال أساساً مناطق نفوذ «الثنائية الشيعية» التي واجهت قمعاً وبلطجةً أسوأ ممّا شهدته بيروت. ففي مناطق بعلبك، كان حزب الله في واجهة القمع وحمْل السلاح. وفي النبطية، قمعت عناصر من حزب الله المتظاهرين بالسلاح الأبيض وبإطلاق النار، بمشاركة شبّانٍ من حركة أمل. وفي بنت جبيل، كان أمر القمع لحزب الله. في صور وحدها، تولّت «أمل» المهّمة كونها القوّة الطاغية هناك.
هذا التلازم في مسارات البلطجة الذي شهدته المدن المنتفضة، عرفته جيّداً الجامعة اللبنانية بفروعها الأولى منذ أكثر من عقد. صحيح أنّ «أمل» سيطرت منذ زمن على الإدارات (كما هو الحال في معظم الإدارات المحسوبة على الطائفة الشيعية) وعلى المجالس الطلابية بأفعال بلطجةٍ متعدّدة، لكنّ نفَساً من البلطجية الميدانية والثقافية أضيف مع بدء تطبيق التفاهم بين طرفَيْ «الثنائية». فمنع حزب الله الأغاني على مختلف أنواعها في مجمّع الحدث، بما في ذلك الفيروزيّات. تمّ ذلك بالبلطجة. كما أُسقط «الموديل العاري» هذا العام من منهج كلية الفنون- الفرع الأول. وتم ذلك أيضاً بالبلطجة المقنّعة، بعدما جرى التهديد بتكسير أي موديل عارٍ.
منذ العام 2005، بدأت الفوارق تذوب بين حزب الله وحركة أمل. ولغة الثنائي واضحة في تناسقها وتكاملها، سياسياً وميدانياً. 7 أيار، اليوم المجيد، قام بتنفيذه حزب الله. وكذلك حركة «القمصان السود» بعد أعوام، والتي كانت ممارسة ميليشياوية منظّمة هدفها إيصال الرسائل السياسية. فثنائية حزب الله- حركة أمل وحّدت مصير الحزبَيْن، ووحّدت قوّتهما واستئثارهما وسيطرتهما على السلطة. وتماماً كما لا يمكن فصل «الثنائية» في السياسة، لم يعُد ممكناً فصلها في البلطجة أيضاً.